گروه نرم افزاری آسمان

صفحه اصلی
کتابخانه
جلد دهم
89 سورة الفجر ..... ص: 340






صفحۀ 181 من 233
اشارة
مکیۀ فی قول ابن عباس و قال الضحاك هی مدنیۀ و هی ثلاثون آیۀ فی الکوفی و تسع و عشرون فی البصري و اثنتان و ثلاثون فی
المدنیین
[سورة الفجر ( 89 ): الآیات 1 الی 14 ] ..... ص: 340
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
( وَ الْفَجْرِ ( 1) وَ لَیالٍ عَشْرٍ ( 2) وَ الشَّفْعِ وَ الْوَتْرِ ( 3) وَ اللَّیْلِ إِذا یَسْرِ ( 4
هَلْ فِی ذلِکَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ ( 5) أَ لَمْ تَرَ کَیْفَ فَعَلَ رَبُّکَ بِعادٍ ( 6) إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ ( 7) الَّتِی لَمْ یُخْلَقْ مِثْلُها فِی الْبِلادِ ( 8) وَ ثَمُودَ
( الَّذِینَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ ( 9
وَ فِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ ( 10 ) الَّذِینَ طَغَوْا فِی الْبِلادِ ( 11 ) فَأَکْثَرُوا فِیهَا الْفَسادَ ( 12 ) فَ َ ص بَّ عَلَیْهِمْ رَبُّکَ سَوْطَ عَذابٍ ( 13 ) إِنَّ رَبَّکَ
( لَبِالْمِرْصادِ ( 14
أربع عشرة آیۀ قرأ حمزة و الکسائی و خلف (و الوتر) بکسر الواو. الباقون بفتحها و هما لغتان. قال ابو عبیدة: الشفع الزکا و الوتر
الخسا. و قرأ نافع و ابو عمرو (یسري) بیاء فی الوصل دون الوقف. و قرأ ابن کثیر بیاء فی الوصل و الوقف، و کذلک (بالوادي) الباقون
بغیر یاء فی وصل و لا وقف. من أثبت الیاء، فلأنها الأصل و من حذفها، فلأنها رأس آیۀ و الفواصل تحذف منها الیاءات. التبیان فی
تفسیر القرآن، ج 10 ، ص: 341
هذا قسم من اللَّه تعالی بالفجر و لیال عشر، و قسم منه بالشفع و الوتر و اللیل إذا یسري، و جواب القسم قوله (إِنَّ رَبَّکَ لَبِالْمِرْصادِ) و
(الْفَجْرِ) شق عمود الصبح فجره اللَّه لعباده یفجره فجراً إذا أظهره فی أفق المشرق مبشراً بادبار اللیل المظلم و إقبال النهار المضیء، و
الفجر فجران: أحدهما المستطیل، و هو الذي یصعد طولا کذنب السرحان و لا حکم له فی الشرع، و الآخر هو المستطیر، و هو الذي
ینشر فی أفق السماء، و هو الذي یحرم عنده الأکل و الشرب لمن أراد الصوم فی شهر رمضان، و هو ابتداء الیوم. و قال عکرمۀ و
الحسن: الفجر فجر الصبح.
و قوله (وَ لَیالٍ عَشْرٍ) قال ابن عباس و الحسن و عبد اللَّه بن الزبیر و مجاهد و مسروق و الضحاك و ابن زید: و هی العشر الأول من ذي
الحجۀ شرفها اللَّه تعالی لیسارع الناس فیها إلی عمل الخیر و اتقاء الشر علی طاعۀ اللَّه فی تعظیم ما عظم و تصغیر ما صغره، و ینالون
بحسن الطاعۀ الجزاء بالجنۀ. و قال قوم: هی العشر من أول محرم، و الاول هو المعتمد.
و قوله (وَ الشَّفْعِ وَ الْوَتْرِ) قال ابن عباس و کثیر من أهل العلم: الشفع الخلق بما له من الشکل و المثل، و الوتر الخالق الفرد الذي لا مثل
له، و قال الحسن: الشفع الزوج، و الوتر الفرد من العدد، کأنه تنبیه علی ما فی العدد من العبرة بما یضبط لأنه من المقادیر التی یقع بها
التعدیل. و قال ابن عباس و عکرمۀ و الضحاك: الشفع یوم النحر، و الوتر یوم عرفه، و وجه ذلک أن یوم النحر مشفع بیوم نحر بعده، و
ینفرد یوم عرفه بالموقف و فی روایۀ أخري عن ابن عباس و مجاهد و مسروق و أبی صالح:
أن الشفع الخلق، و الوتر اللَّه تعالی. و قال ابن زید: الشفع و الوتر کله من الخلق.
فقال عمران بن حصین: الصلاة فیها شفع و فیها وتر، و قال ابن الزبیر: الشفع:
الیومان الأولان من یوم النحر و الوتر الیوم الثالث. و فی روایۀ أخري عن ابن ص: 342
عباس: الوتر آدم و الشفع زوجته. قال ابو عبیدة: یقال أوترت و وترت.
و قوله (وَ اللَّیْلِ إِذا یَسْرِ) معناه یسیر ظلاماً حتی ینقضی بالضیاء المبتدئ ففی تسییره علی المقادیر المرتبۀ، و مجیئه بالضیاء عند تقضیه
فی الفصول أدل دلیل علی أن فاعله یختص بالعز و الاقتدار الذي یجلّ عن الأشباه و الأمثال.
صفحۀ 182 من 233
فی الفصول أدل دلیل علی أن فاعله یختص بالعز و الاقتدار الذي یجلّ عن الأشباه و الأمثال.
و قوله (هَلْ فِی ذلِکَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) أي لذي عقل- فی قول ابن عباس و مجاهد و قتادة و الحسن- و قیل العقل الحجر، لأنه یعقل
عن المقبحات و یزجر عن فعلها، یقال: حجر یحجر حجراً إذا منع من الشیء بالتضییق، و منه حجر الرجل الذي یحجر علی ما فیه، و
منه الحجر لامتناعه بصلابته.
و قوله (أَ لَمْ تَرَ کَیْفَ فَعَلَ رَبُّکَ بِعادٍ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ) خطاب من الله تعالی للنبی صلی اللَّه علیه و آله، و تنبیه للکفار علی ما فعل
بالأمم الماضیۀ لما کفروا بوحدانیۀ الله، و اعلام لهم کیفیۀ إهلاکهم. و قیل: عاد الأولی عاد ابن آرم. و قیل: إن (إرم) بلد منه
الاسکندریۀ- فی قول القرطی- و قال المعرّي: هو دمشق. و قال مجاهد: هم أمۀ من الأمم. و قال قتادة: هم قبیلۀ من عاد. و قوله (ذاتِ
الْعِمادِ) قال ابن عباس و مجاهد: ذات الطول من قولهم: رجل معمد إذا کان طویلا. و قیل ذات عمد للابیات ینتقلون من مکان إلی
مکان، للانتجاع- ذکره قتادة- و قال ابن زید: ذات العماد فی إحکام البنیان. و قال الضحاك: معناه ذات القوي الشداد.
و قال الحسن: العماد الابنیۀ العظام. و قیل: ان (ارم) هو سام بن نوح، و ترك صرفه لأنه أعجمی معرفۀ.
و قوله (الَّتِی لَمْ یُخْلَقْ مِثْلُها فِی الْبِلادِ) یعنی فی عظم أجسامهم و شدة قوتهم و قوله (وَ ثَمُودَ الَّذِینَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ) موضع (ثَمُودَ)
، جر بالعطف علی قوله (بِعادٍ) أي و ثمود و لم یجره لأنه أعجمی معرفۀ، و معنی (جابُوا الصَّخْرَ) أي التبیان فی تفسیر القرآن، ج 10
ص: 343
قطعوا الصخر من الجبال بشدة قوتهم، یقال: جاب یجوب إذا قطع قال النابغۀ:
أتاك ابو لیلی یجوب به الدجی دجی اللیل جواب الغلاة غشمشم
و قوله (وَ فِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ) قال ابن عباس: معناه ذي «1» ( قال مجاهد: قطعوا الجبال بیوتاً کما قال (وَ تَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُیُوتاً فارِهِینَ
الجنود الذین کانوا یشدون أمره. و قال مجاهد: کان یوتد الأوتاد فی أیدي الناس. و قال قتادة: ملاعب کان یلعب له فیها، و یضرب
تحتها بالأوتاد. و قیل: ذي الأوتاد لکثرة الأوتاد التی کانوا یتخذونها للمضارب و لکثرة جموعهم، و کان فیهم أکثر منه فی غیرهم. و
قیل: إن فرعون کان إذا غضب علی الرجل مده بین أربعۀ أوتاد حتی یموت.
و قوله (الَّذِینَ طَغَوْا فِی الْبِلادِ) معناه إن هؤلاء الذین ذکرناهم تجاوزوا فی الظلم الحد فی البلاد، و خرجوا عن حد القلۀ و فسر ذلک
بقوله (فَأَکْثَرُوا فِیهَا الْفَسادَ) یعنی أکثروا فی البلاد الفساد، ثم بین ما فعل بهم عاجلا فقال (فَصَبَّ عَلَیْهِمْ رَبُّکَ) یا محمد صلی اللَّه علیه
و آله (سَوْطَ عَذابٍ) أي قسط عذاب کالعذاب بالسوط الذي یعرف إلا أنه أعظم، و یجوز أن یکون عنی قست عذاب یخالط اللحوم
و الدماء کما یخالط بالسوط من قولهم: ساطه یسوطه سوطاً فهو سائط قال الشاعر:
«2» أ حارث إنا لو تساط دماؤنا تزایلن حتی لا یمس دم دما
و قیل: المعنی إنه جعل سوطه الذي ضربهم به انه صب علیهم العذاب، و قوله (إِنَّ رَبَّکَ لَبِالْمِرْصادِ) معناه إن ربک یا محمد لا یفوته
شیء من اعمال العباد کما لا یفوت من بالمرصاد. و المرصاد مفعال من رصده یرصده رصداً، فهو راصد إذا راعی ما یکون منه لیقابله
بما یقتضیه، و
قیل لأمیر المؤمنین علیه السلام این کان ربنا قبل
__________________________________________________
1) سورة 26 الشعراء آیۀ 149 )
[.....] 424 / 2) تفسیر الشوکانی 5 )
ص: 344
أن یخلق السموات و الأرض؟ فقال: (أین) سؤال عن مکان، و کان اللَّه و لا مکان.
و قیل لاعرابی: أین ربک یا اعرابی؟! قال بالمرصاد. و قال ابن عباس معناه إنه یسمع و یري أعمال العباد. و قال الحسن و الضحاك:
صفحۀ 183 من 233
لبالمرصاد بانصاف المظلوم من الظالم، و معناه لا یجوزه ظلم ظالم حتی ینصف المظلوم منه.
قوله تعالی: [سورة الفجر ( 89 ): الآیات 15 الی 30 ] ..... ص: 344
فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَکْرَمَهُ وَ نَعَّمَهُ فَیَقُولُ رَبِّی أَکْرَمَنِ ( 15 ) وَ أَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَیْهِ رِزْقَهُ فَیَقُولُ رَبِّی أَهانَنِ ( 16 ) کَلاَّ بَلْ
( لا تُکْرِمُونَ الْیَتِیمَ ( 17 ) وَ لا تَحَاضُّونَ عَلی طَعامِ الْمِسْکِینِ ( 18 ) وَ تَأْکُلُونَ التُّراثَ أَکْلًا لَ  ما ( 19
وَ تُحِبُّونَ الْمالَ حُبا جَ  ما ( 20 ) کَلاَّ إِذا دُکَّتِ الْأَرْضُ دَ  کا دَ  کا ( 21 ) وَ جاءَ رَبُّکَ وَ الْمَلَکُ صَ  فا صَ  فا ( 22 ) وَ جِیءَ یَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ یَوْمَئِذٍ
( یَتَذَکَّرُ الْإِنْسانُ وَ أَنَّی لَهُ الذِّکْري ( 23 ) یَقُولُ یا لَیْتَنِی قَدَّمْتُ لِحَیاتِی ( 24
( فَیَوْمَئِذٍ لا یُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ ( 25 ) وَ لا یُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَ دٌ ( 26 ) یا أَیَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّۀُ ( 27 ) ارْجِعِی إِلی رَبِّکِ راضِ یَۀً مَرْضِ یَّۀً ( 28
( فَادْخُلِی فِی عِبادِي ( 29
( وَ ادْخُلِی جَنَّتِی ( 30
ست عشرة آیۀ.
قرأ ابن عامر و ابو جعفر (فقدر) مشدد الدال. و قرأ ابو عمرو و اهل ص: 345
البصرة (بَلْ لا تُکْرِمُونَ الْیَتِیمَ وَ لا تَحَاضُّونَ عَلی طَعامِ الْمِسْکِینِ وَ تَأْکُلُونَ التُّراثَ) ثلاثتهن بالیاء. الباقون ثلاثتهن بالتاء. و الاول علی
وجه الخبر عن الذین تقدم ذکرهم من الکفار. و الثانی علی وجه الخطاب، و تقدیره قل لهم یا محمد صلی اللَّه علیه و آله. و قرأ اهل
الکوفۀ (تحاضون) بالتاء و الالف. الباقون بغیر الف و الیاء فی جمیع ذلک مفتوحۀ یقال:
حضضته و حثثته و (تحاضون) مثل فاعلته و فعلته إلا أن المفاعلۀ بین إثنین فأکثر و قرأ الکسائی و یعقوب (فَیَوْمَئِذٍ لا یُعَذِّبُ عَذابَهُ
أَحَ دٌ، وَ لا یُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَ دٌ) علی ما لم یسم فاعله. و الفعل مسند إلی (أحد)، و المعنی لا یعذب عذابه أحد فداء له من العذاب، لأنه
المستحق له، فلا یؤخذ بذنب غیره. الباقون بکسر الذال (و لا یوثق) بکسر الثاء و تأویله لا یعذب عذاب اللَّه أحد، و لا یوثق وثاقه احد
و هو قول الحسن و قتادة.
لما توعد اللَّه تعالی الکفار و جمیع العصاة بما قدمه من الوعید علی المعاصی و أخبرهم بما فعل بالأمم الماضیۀ جزاء علی کفرهم. و
حکی أنه لبالمرصاد لکل عاص قسم أحوال الخلق من البشر، فقال (فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ) أي اختبره و الابتلاء هو إظهار ما فی
العبد من خیر أو شر من الشدة و الرخاء و الغنی و الفقر حسب ما تقتضیه المصلحۀ، فان عمل بداعی العقل ظهر الخیر، و إن عمل
بداعی الطبع ظهر الشر. و مثل الابتلاء الامتحان و الاختبار.
و قوله (فَأَکْرَمَهُ وَ نَعَّمَهُ) معناه أعطاه الخیر و أنعم علیه به، و الإکرام إعطاء الخیر للنفع به علی ما تقتضیه الحکمۀ إلا أنه کثر فیما
یستحق بالإحسان، و نقیض الإکرام الهوان (فَیَقُولُ) العبد عند ذلک (رَبِّی أَکْرَمَنِ) أي أنعم علی و أحسن إلیّ. و من أثبت الیاء، فلأنها
الأصل و من حذفها فلأنها رأس آیۀ، و اجتزأ بکسرة النون الدالۀ علی حذفها. ص: 346
ثم قال (وَ أَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَیْهِ رِزْقَهُ) أي اختبره بعد ذلک بأن یضیق علیه رزقه قدر البلغۀ و الأصل القدر، و هو کون الشیء علی
مقدار، و منه تقدیر الشیء طلب قدره من مقدار غیره (فَیَقُولُ) العبد عند ذلک (رَبِّی أَهانَنِ) فقال اللَّه تعالی رداً لتوهم من ظن أن
الإکرام بالغنی و الاهانۀ بالفقر بأن قال (کلا) لیس الامر علی ما توهمه. و إنما الإکرام فی الحقیقۀ بالطاعۀ، و الاهانۀ بالمعصیۀ، و قوله
(کَلَّا) معناه لیس الأمر علی ما ظن هذا الإنسان الکافر الذي لا یؤمن باللَّه و الیوم الآخر- ذکره قتادة- ثم بین ما یستحق به الهوان بقوله
(بَلْ لا تُکْرِمُونَ الْیَتِیمَ وَ لا تَحَاضُّونَ عَلی طَعامِ الْمِسْکِینِ) أي الهوان لهذا، لا لما توهمتم، تقول: حضضته بمعنی حثثته و (تَحَاضُّونَ)
بمعنی تحضون فاعلته و فعلته إلا أن المفاعلۀ بین اثنین فأکثر. و قال الفراء: لا تحاضون بمعنی لا تحافظون، و أصله تتحاضون، فحذف
إحدي التائین.
صفحۀ 184 من 233
و قوله (وَ تَأْکُلُونَ التُّراثَ أَکْلًا لَ  ما) أي جمعاً، یقال لممت ما علی الخوان ألمه لماً إذا أکلته اجمع، و التراث المیراث. و قیل: هو من
یأکل نصیبه و نصیب صاحبه. و قوله (وَ تُحِبُّونَ الْمالَ حُبا جَ  ما) قال ابن عباس و مجاهد و ابن زید: معناه کثیراً شدیداً یقال: جم الماء
فی الحوض إذا أجتمع و کثر قال زهیر:
«1» فلما وردن الماء زرقا جمامه وضعن عصی الحاضر المتخیم
و قوله (کَلَّا إِذا دُکَّتِ الْأَرْضُ دَ  کا دَ  کا) معناه التهدید و الوعید الشدید أي حقاً إذا دکت الأرض بأن جعلت مثل الدکۀ مستویۀ لا خلل
و هو یوم القیامۀ، فالدك حط المرتفع بالبسط، یقال اندك سنام البعیر إذا «2» ( فیها و لا تلول، کما قال (لا تَري فِیها عِوَجاً وَ لا أَمْتاً
انفرش فی ظهره و ناقۀ دکاء إذا کانت کذلک، و منه الدکان لاستوائه فکذلک
__________________________________________________
143 / 1) مر فی 7 )
2) سورة 20 طه آیۀ 107 )
ص: 347
الأرض إذا دکت استوت فی فراشها فذهبت دورها، و قصورها و سائر أبنیتها حتی تصیر کالصحراء الملساء بها. قال ابن عباس: یوم
القیامۀ تمد الأرض مداً کالأدیم، و قوله (وَ جاءَ رَبُّکَ وَ الْمَلَکُ صَ  فا صَ  فا) معناه و جاء أمر اللَّه أو عذاب اللَّه و قیل: معناه و جاء
جلائل آیاته، فجعل مجیء جلائل الآیات مجیئاً له تفخیماً لشأنها و قال الحسن: معناه و جاء قضاء اللَّه، کما یقول القائل: جاءتنا الروم
أي سیرتهم.
و قال بعضهم: معنی (جاء) ظهر بضرورة المعرفۀ، کما توصف الآیۀ إذا وقعت ضرورة تقوم مقام الرؤیۀ.
و قوله (وَ الْمَلَکُ صَ  فا صَ  فا) معناه کصفوف الناس فی الصلاة یأتی الصف الاول ثم الصف الثانی ثم الثالث علی هذا الترتیب، لان
ذلک أشکل بحال الاستواء من التشویش و التخلیط بالتعدیل فی الأمور، و التقویم أولی.
و قوله (وَ جِیءَ یَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) أي أحضرت جهنم لیعاقب بها المستحقون لها و یري أهل الموقف هو لها، و عظم منظرها. و قوله
(یَتَذَکَّرُ الْإِنْسانُ) اخبار منه تعالی بأن الإنسان یتذکر ما فرط فیه فی دار التکلیف من ترك الواجب و فعل القبیح و یندم علیه. ثم قال
تعالی (وَ أَنَّی لَهُ الذِّکْري) و معناه من این له الذکري التی کان أمر بها فی دار الدنیا، فإنها تقوده إلی طریق الاستواء و تبصره الضلال
من الهدي، فکأنه قال و أنی له الذکري التی ینتفع بها، کما لو قیل یتندم و أنی له الندم.
ثم حکی ما یقول الکافر المفرط الجانی علی نفسه و یتمناه، فانه یقول (یا لَیْتَنِی قَدَّمْتُ لِحَیاتِی) أي یتمنی انه کان عمل الصالحات
لحیاته بعد موته أو عمل للحیاة التی تدوم له، فکان أولی بی من التمسک بحیاة زائلۀ. ثم قال (فَیَوْمَئِذٍ لا یُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ) معناه فی
قراءة من کسر الذال إخبار من اللَّه تعالی أنه لا یعذب عذاب اللَّه ص: 348
أحد فی ذلک الیوم. و من فتح الذال قال: المعنی لا یعذب عذاب الجانی الکافر الذي لم یقدم لحیاته أحد من الناس لأنا علمنا أن
إبلیس أشد عذاباً من غیره بحسب إجرامه و إذا أطلق الکلام لقیام الدلالۀ علی ذلک قیل معناه لا یؤاخذ أحد بذنب غیره، لأنه
المستحق للعذاب و لا یؤاخذ اللَّه أحداً بجرم غیره.
و قوله (وَ لا یُوثِقُ وَثاقَهُ) أي لا یشد بالسلاسل و الاغلال (أَحَدٌ) علی المعنیین اللذین ذکرناهما.
و قوله (یا أَیَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّۀُ) قال ابن زید عن أبیه: إن النفس المطمئنۀ التی فعلت طاعۀ اللَّه و تجنبت معاصیه تبشر عند الموت و
یوم البعث بالثواب و النعیم. و قیل: ان المطمئنۀ بالمعرفۀ للَّه و بالایمان به- فی قول مجاهد- و قیل:
المطمئنۀ بالبشارة بالجنۀ. و قال الفراء: تقدیره یا أیتها النفس المطمئنۀ بالایمان و المصدقۀ بالثواب و البعث (ارْجِعِی) تقول لهم
الملائکۀ إذا أعطوهم کتبهم بایمانهم (ارْجِعِی إِلی رَبِّکِ) أي إلی ما أعده اللَّه لک من الثواب، و قد یجوز أن یقولوا لهم هذا القول
صفحۀ 185 من 233
یریدون ارجعوا من الدنیا إلی هذا المرجع.
ثم بین ما یقال لها و تبشر به بأنه یقال لها (ارْجِعِی إِلی رَبِّکِ) أي إلی الموضع الذي یختص اللَّه تعالی بالأمر و النهی به دون خلقه
الذین رضیت عنهم و رضیت « فَادْخُلِی فِی عِبادِي » (راضِ یَۀً) بثواب اللَّه و جزیل عطائه (مَرْضِ یَّۀً) الافعال من الطاعات، و إنه یقال لها
التی وعدتکم بها و أعددت نعیمکم فیها، و روي عن ابن عباس أنه قرأ ادخلی فی عبدي بمعنی فی جسم « وَ ادْخُلِی جَنَّتِی » أفعالهم
عبدي، قال ابن خالویه: هی قراءة حسنۀ. قال المبرد: تقدیره یا أیتها الروح ارجعی إلی ربک فادخلی فی عبادي فی کل واحد من
عبادي تدخل فیه روحه.
بیان فی تفسیر القرآن، ج 10 ، ص: 349
-90 سورة البلد ..... ص: 349
اشارة
مکیۀ فی قول ابن عباس و قال الضحاك، أنزلت حین افتتحت مکۀ و هی عشرون آیۀ بلا خلاف
[سورة البلد ( 90 ): الآیات 1 الی 10 ] ..... ص: 349
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
( لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ ( 1) وَ أَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ ( 2) وَ والِدٍ وَ ما وَلَدَ ( 3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِی کَبَدٍ ( 4
أَ یَحْسَبُ أَنْ لَنْ یَقْدِرَ عَلَیْهِ أَحَدٌ ( 5) یَقُولُ أَهْلَکْتُ مالًا لُبَداً ( 6) أَ یَحْسَبُ أَنْ لَمْ یَرَهُ أَحَدٌ ( 7) أَ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَیْنَیْنِ ( 8) وَ لِساناً وَ شَفَتَیْنِ
(9)
( وَ هَدَیْناهُ النَّجْدَیْنِ ( 10
عشر آیات.
بتشدید الباء. الباقون بالتخفیف. « لبداً » قرأ ابو جعفر
معناه أقسم، و لا صلۀ، کما قال الشاعر: « لا أُقْسِمُ » قوله
«1» و لا ألوم البیض ان لا تسخرا
أي ان تسخر. و قیل: هی رداً لکلام علی طریق الجواب، لمن قد ظهر منه
__________________________________________________
45 / 1) مر فی 1 )
ص: 350
لأن هذا « وَ هذَا الْبَلَدِ الْأَمِینِ » الخلاف أي لیس الامر علی ما یتوهم. و قد بینا نظائر ذلک فیما مضی. فإذا أثبت انه اقسم، فلا ینافی قوله
فأما إذا کان الامر علی ما بیناه فلا تنافی بینهما. قال ابن عباس و « لا اقسم » قسم آخر مثله. و إنما یکون مناقضۀ لو أراد نفی القسم بقوله
مجاهد و قتادة و ابن زید: یعنی بالبلد مکۀ.
فمعناه فی قول ابن عباس أنه حلال لک به قتل من رأیت حین أمر بالقتال، فقتل ابن حنظل صبراً، و هو « وَ أَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ » و قوله
آخذ بأستار الکعبۀ و لم یحل لأحد بعده. و به قال مجاهد و ابن زید و الضحاك. و قال عطاء: لم یحل إلا لنبیکم ساعۀ من النهار. و
قال الحسن: معناه و أنت فیه محسن و أنا عنک راض.
صفحۀ 186 من 233
و قیل: معناه أنت حل بهذا البلد أي انت فیه مقیم، و هو محلل. و المعنی بذلک التنبیه علی شرف البلد بشرف من حل فیه من الرسول
الداعی إلی تعظیم اللَّه و إخلاص عبادته المبشر بالثواب و المنذر بالعقاب، و یقال: رجل حل أي حلال و قالوا: حل معناه حال. أي
ساکن.
و قوله (وَ والِدٍ وَ ما وَلَدَ) قسم آخر بالوالد و ما ولد، قال ابن عباس و عکرمۀ:
المعنی بذلک کل والد و ما ولد یعنی العاقل. و قال الحسن و مجاهد و قتادة و الضحاك و سفیان و ابو صالح: یعنی آدم و ولده. و
قال ابو عمران الحوبی: یعنی به إبراهیم علیه السلام و ولده.
و قوله (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِی کَبَدٍ) جواب القسم، و معنی کبد قال ابن عباس و الحسن: فی شدة. و قال قتادة: معناه یکابد الدنیا و
الآخرة. قال مجاهد و ابو صالح و إبراهیم النخعی و عبد اللَّه بن شداد: معناه فی انتصاب قامۀ، فکأنه فی شدة قوام مخصوص بذلک
من سائر الحیوان، قال لبید: ص: 351
«1» یا عین هلا بکیت أربد إذ قمنا و قام الخصوم فی کبد
أي فی شدة نصب، فالکبد فی اللغۀ شدة الأمر یقال: تکبد اللبن إذا غلظ و اشتد، و منه الکبد، کأنه دم یغلظ و یشتد، و تکبد الدم إذا
صار کالکبد، و الإنسان مخلوق فی شدة أمر بکونه فی الرحم. ثم فی القماط و الرباط، ثم علی خطر عظیم عند بلوغه حال التکلیف،
فینبغی له أن یعلم ان الدنیا دار کدّ و مشقۀ، و أن الجنۀ هی دار الراحۀ و النعمۀ.
معناه أ یظن هذا الإنسان أن لن یقدر علی عقابه أحد إذا عصی اللَّه تعالی و ارتکب معاصیه « أَ یَحْسَبُ أَنْ لَنْ یَقْدِرَ عَلَیْهِ أَحَدٌ » و قوله
فبئس الظن ذلک. و قیل: إنها نزلت فی رجل یقال له أبو الاسدین کان من القوة بحیث یقف علی أدیم عکاظی فیجري العسرة من
تحته، فتنقطع و لا یبرح من علیه فقال اللَّه تعالی (أَ یَحْسَبُ) لشدته و قوته (أَنْ لَنْ یَقْدِرَ عَلَیْهِ أَحَ دٌ) ثم حکی ما یقول هذا الإنسان من
قوله (أَهْلَکْتُ مالًا لُبَداً) قال الحسن: معناه یقول أهلکت مالا کثیراً، فمن یحاسبنی علیه، حمیق أ لم یعلم ان اللَّه قادر علی محاسبته، و
اللبد الکثیر الذي قد تراکب بعضه علی بعض، و منه تلبد القطن و الصوف إذا تراکب بعضه علی بعض، و کذلک الشعر و منه اللبد و
من قرأ (لبداً) بتشدید الباء، فهو جمع لا بد.
و قوله (أَ یَحْسَبُ أَنْ لَمْ یَرَهُ أَحَ دٌ) ا یظن هذا الإنسان انه لم یبصره أحد فیطالبه من این کسب هذا المال، و فی أي شیء أنفقه- ذکره
قتادة- و قیل: معنا ا یظن أن لم یره أحد فی إنفاقه، لأنه کاذب. و قال الحسن: یقول: أنفقت مالا کثیراً فمن یحاسبنی علیه. و قیل الآیۀ
نزلت فی رجل من بنی جمح یکنی أبا الاسدین، و کان قویاً شدیداً.
__________________________________________________
299 / 19 و مجاز القرآن 2 / 1) دیوانه 1 )
ص: 352
لیبصر بهما « أَ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَیْنَیْنِ » ثم نبهه تعالی علی وجوه النعمۀ التی أنعم بها علیه لیستدل بها علی توحیده و خلع الأنداد دونه بقوله
لیستدل بهما. و فی ذلک دلیل واضح علی أنه صادر من مختار لهذه الافعال التی « وَ هَدَیْناهُ النَّجْ دَیْنِ » لینطق بهما « وَ لِساناً وَ شَ فَتَیْنِ »
فعلها بهذه الوجوه، فأحکمها لهذه الأمور، فالمحکم المتقن لا یکون إلا من عالم، و تعلیقه بالمعانی لا یکون إلا من مختار، لأنه لا
یعلق الفعل بالمعانی إلا فی الارادة. و قال ابن مسعود: و ابن عباس: معنی هدیناه النجدین: نجد الخیر و الشر، و به قال الحسن و مجاهد
و الضحاك و قتادة، و فی روایۀ عن ابن عباس أنهما الثدیان، و النجدان الطریقان للخیر و الشر. و أصل النجد للعلو و نجد بلد سمی
نجد العلوة عن انجفاض تهامۀ، و کل عال من الأرض نجد، و الجمع نجود، و رجل نجد بین النجدة إذا کان جلداً قویاً، لاستعلائه علی
قوته، و استنجدت فلاناً فانجدنی أي استعنته علی خصمی فأعاننی، و النجد الکرب و الغم. و النجاد ما علی العاتق من حمالۀ السیف، و
شبه طریق الخیر و الشر بالطریقین العالیین لظهوره فیهما.
صفحۀ 187 من 233
قوله تعالی: [سورة البلد ( 90 ): الآیات 11 الی 20 ] ..... ص: 352
( فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَۀَ ( 11 ) وَ ما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَۀُ ( 12 ) فَکُّ رَقَبَۀٍ ( 13 ) أَوْ إِطْعامٌ فِی یَوْمٍ ذِي مَسْغَبَۀٍ ( 14 ) یَتِیماً ذا مَقْرَبَۀٍ ( 15
أَوْ مِسْکِیناً ذا مَتْرَبَۀٍ ( 16 ) ثُمَّ کانَ مِنَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَ تَواصَوْا بِالْمَرْحَمَ ۀِ ( 17 ) أُولئِکَ أَصْحابُ الْمَیْمَنَۀِ ( 18 ) وَ الَّذِینَ
( کَفَرُوا بِآیاتِنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَۀِ ( 19 ) عَلَیْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ ( 20
عشر آیات. ص: 353
علی « فَکُّ رَقَبَۀٍ » بغیر الف علی انه فعل ماض. الباقون « فک رقبۀ أو اطعم فی یوم ذي مسغبۀ » قرأ ابن کثیر و ابو عمرو و الکسائی
ما أَدْراكَ مَا » الثانی أنه علی جواب و « فلا أقتحم العقبۀ فک رقبۀ » فوجه الأول قوله « أَوْ إِطْعامٌ » الاضافۀ و یکون الاضافۀ إلی مفعول
فیکون الجواب بالاسم و تلخیصه هلا اقتحم العقبۀ و لا یجوز الصراط إلا من کان بهذه الصفۀ یفک رقبۀ او یطعم یتیماً فِی یَوْمٍ « الْعَقَبَۀُ
و معناه لم یصدق و لم یصل، و إنما لم یکرر (لا) لان معنا «1» « فَلا صَدَّقَ وَ لا صَلَّی » ذِي مَسْغَبَۀٍ مجاعۀ، فَلَا اقْتَحَمَ بمعنی لم، کما قال
بالهمز. الباقون بغیر « مؤصدة » یدل علی انه لم یقتحم و لم یؤمن، و قرأ ابو عمرو و حمزة و حفص و خلف « ثُمَّ کانَ مِنَ الَّذِینَ آمَنُوا »
همز و هما لغتان، یقال: أصدت الباب اوصده إیصاداً فهو مؤصد بالهمز، و أوصدته فهو موصد بغیر همز. و الوصید الباب من
أوصدت.
و ما فیهما من الدلالۀ علی « أَ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَیْنَیْنِ وَ لِساناً وَ شَ فَتَیْنِ » لما نبه اللَّه تعالی الإنسان علی وحدانیته و إخلاص عبادته بقوله
قدرته و علمه و انه هدي الإنسان طریق الخیر و الشر و رغبه فی اتباع الخیر و زجره عن إتباع الشر، قال حاثاً له علی فعل الخیر بقوله
قال الحسن. عقبۀ- و اللَّه شدیدة- مجاهدة الإنسان نفسه و هواه و عدوه و الشیطان، و لم یکرر (لا) فی اللفظ، و هی « فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَۀَ »
بمنزلۀ المکرر فی المعنی کأنه قال: أ فلا اقتحم العقبۀ و حذف الاستفهام، و المراد به التنبیه، و الاقتحام الدخول علی الشدة یقال اقتحم
اقتحاماً، و اقحم إقحاماً و تقحم تقحماً و قحم تقحیماً و نظیره الإدخال و الإیلاج. و المعنی هلا دخل فی البر علی صعوبۀ کصعوبۀ
اقتحام العقبۀ، و العقبۀ الطریقۀ التی ترتقی علی صعوبۀ و یحتاج فیها إلی معاقبۀ الشدة بالتضییق
__________________________________________________
1) سورة 75 القیامۀ آیۀ 31 )
ص: 354
و المخاطرة، و قیل: العقبۀ النتئۀ الضیقۀ فی رأس الجبل یتعاقبها الناس، فشبهت بها العقبۀ فی وجوه البر التی ذکرها اللَّه تعالی. و عاقب
الرجل صاحبه إذا صار فی موضعه بدلا منه. و قال قتادة: فلا اقتحم العقبۀ إنها قحمۀ شدیدة، فاقتحموها بطاعۀ اللَّه.
و قال أبو عبیدة: معناه فلم یقتحم فی الدنیا.
و تقدیره اقتحام العقبۀ فک رقبۀ، لان العقبۀ جثۀ و « وَ ما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَۀُ فَکُّ رَقَبَۀٍ أَوْ إِطْعامٌ فِی یَوْمٍ ذِي مَسْغَبَۀٍ » ثم فسر العقبۀ فقال
الفک حدث، فلا یکون خبراً عن جثۀ. قال ابو علی و (لا) إذا کانت بمعنی (لم) لم یلزم تکرارها.
فالفک فرق یزیل المنع، و یمکن معه أمر لم یکن ممکناً قبل، کفک القید و « فَکُّ رَقَبَۀٍ » ثم بین تعالی ما به یکون اقتحام العقبۀ فقال
الغل، لأنه یزول به المنع، و یمکن به تصرف فی الأرض لم یکن قبل، ففک الرقبۀ فرق بینها و بین حال الرق بإیجاب الحریۀ و إبطال
فالمسغبۀ المجاعۀ سغب یسغب سغباً إذا جاع، فهو ساغب قال جریر: « أَوْ إِطْعامٌ فِی یَوْمٍ ذِي مَسْغَبَۀٍ » العبودیۀ. و قوله
«1» تعلل و هی ساغبۀ بنیها بأنفاس من الشبم القراح
فی قراءة من نون نصبه بالمصدر. و من قرأ علی الفعل الماضی نصبه به، فهو مفعول به فی الحالین، و « إِطْعامٌ » نصب ب « یَتِیماً » و قوله
معناه ذا قرابۀ، و لا یقال: فلان قرابتی « ذا مَقْرَبَۀٍ » الیتیم الصبی الذي قد مات أبوه و أمه، و الأغلب فی الیتیم من الأب فی الناس. و قوله
صفحۀ 188 من 233
و إنما یقال ذو قرابتی، لأنه مصدر، کما قال الشاعر:
یبکی الغریب علیه حین یعرفه و ذو قرابته فی الناس مسرور
معناه ذا حاجۀ شدیدة « ذا مَتْرَبَۀٍ » عطف علی یتیماً. و « أَوْ مِسْکِیناً » و قوله
__________________________________________________
1) اللسان (قرح) )
ص: 355
من قولهم: ترب الرجل إذا افتقر- فی قول ابن عباس- أیضاً و مجاهد، یقال:
أترب الرجل إذا استغنی، و ترب إذا افتقر.
« وَ تَواصَوْا » معناه کان الإنسان من جملۀ المؤمنین إذا فعل ذلک و عقد الایمان، ثم أقام علی إیمانه « ثُمَّ کانَ مِنَ الَّذِینَ آمَنُوا » و قوله
أي وصی بعضهم بعضاً بأن یرحموا « بِالْمَرْحَمَۀِ » أیضاً « وَ تَواصَوْا » علی الشدائد و المحن و المصائب « بِالصَّبْرِ » أي وصی بعضهم بعضاً
الفقراء و ذوي المسکنۀ.
معناه إنهم متی فعلوا ذلک کانوا أصحاب المیمنۀ الذین یعطون کتابهم بأیمانهم أو یؤخذ بهم ذات « أُولئِکَ أَصْحابُ الْمَیْمَنَۀِ » و قوله
الیمین إلی الجنۀ، و المیمنۀ الیمن و البرکۀ، و المرحمۀ حال الرحمۀ.
أي ذات الشمال فیؤخذ بهم « هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَۀِ » معناه إن الذین یجحدون نعم اللَّه و یکذبون أنبیاءه « وَ الَّذِینَ کَفَرُوا بِآیاتِنا » و قوله
قال ابن عباس و مجاهد و الضحاك: معناه « عَلَیْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ » الی النار، و یعطون کتابهم بشمالهم، و اشتقاقه من الشؤم خلاف البرکۀ
علیهم نار مطبقۀ.
ص: 356
-91 سورة الشمس ...... ص: 356
اشارة
مکیۀ فی قول ابن عباس و الضحاك و هی خمس عشرة آیۀ فی الکوفی و البصري و ست عشرة فی المدنیین
[سورة الشمس ( 91 ): الآیات 1 الی 10 ] ..... ص: 356
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
( وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها ( 1) وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها ( 2) وَ النَّهارِ إِذا جَلاَّها ( 3) وَ اللَّیْلِ إِذا یَغْشاها ( 4
( وَ السَّماءِ وَ ما بَناها ( 5) وَ الْأَرْضِ وَ ما طَحاها ( 6) وَ نَفْسٍ وَ ما سَوَّاها ( 7) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها ( 8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَکَّاها ( 9
( وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها ( 10
عشر آیات.
بفتح أواخر هذه السورة. « و ضحاها » قرأ ابن کثیر و ابن عامر و عاصم
و قرأ الکسائی بامالۀ ذلک کله. و قرأ ابو عمرو و نافع جمیع ذلک بین الکسر و الفتح.
فمن فتح، فلأنه الأصل، و الامالۀ تخفیف. و بین بین تخفیف یشعر بالأصل. فأما « طحاها » و « تلاها » کسراً و فتح « و ضحها » و قرأ حمزة
حمزة فأمال بنات الیاء. و فخم بنات الواو.
صفحۀ 189 من 233
هذا قسم من اللَّه تعالی بالشمس و ضحاها، و قد بینا أن له تعالی أن یقسم بما شاء من خلقه تنبیهاً علی عظم شأنه و کثرة الانتفاع به،
فلما کانت الشمس قد عظم الانتفاع بها و قوام العالم من الحیوان و النبات بطلوعها و غروبها، جاز القسم التبیان فی تفسیر القرآن،
ج 10 ، ص: 357
بها، و لما فیها من العبرة بنشیء الضوء حتی تقوي تلک القوة العظیمۀ بإذن اللَّه.
یعنی ضحاها الشمس، و هو صدر وقت طلوعها، و ضحی النهار صدر وقت کونه، قال الشاعر: « وَ ضُحاها » و قوله
«1» أعجلها اقدحی الضحاء ضحی و هی تناصی ذوائب السلم
و أضحی یفعل کذا إذا فعله فی وقت الضحی، و یقال: ضحّی بکبش أو غیره إذا ذبحه فی وقت الضحی من ایام الأضحی. ثم کثر
حتی قیل لو ذبحه آخر النهار.
قسم آخر بالقمر و تلوه الشمس و وجه الدلالۀ من جهۀ تلو القمر للشمس من جهۀ المعاقبۀ علی أمور مرتبۀ « وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها » و قوله
فی النقصان و الزیادة، لأنه لا یزال ضوء الشمس ینقص إذا غاب جرمها، و یقوي ضوء القمر حتی یتکامل کذلک دائبین، تسخیراً من
اللَّه للعباد بما لیس فی وسعهم أن یجروه علی شیء من ذلک المنهاج. و قال ابن زید: القمر إذا اتبع الشمس فی النصف الاول من
أي یضیء نورها « وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها » الشهر إذا غربت الشمس تلاها القمر بالطلوع، و فی آخر الشهر یتلوها فی الغروب و قال الحسن
یعنی لیلۀ الهلال. و قیل: تلاها فی الضوء. « وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها »
قسم آخر بالنهار إذا جلاها یعنی الشمس بضوءها المبین بجرمها. و قیل معناه إذا جلا الظلمۀ، فالهاء کنایۀ « وَ النَّهارِ إِذا جَلَّاها » و قوله
قسم آخر باللیل إذا یغشاها یعنی الشمس بظلمته عند « وَ اللَّیْلِ إِذا یَغْشاها » عن الظلمۀ، و لم یتقدم لها ذکر لأنه معروف غیر ملتبس
سقوط الشمس.
قال قتادة: معناه و السماء و بنائها جعل (ما) مع ما بعدها بمنزلۀ المصدر. و قال مجاهد و الحسن: معنی و « وَ السَّماءِ وَ ما بَناها » و قوله
السماء و ما بناها و السماء
__________________________________________________
1) قائله النابغۀ الجعدي. اللسان (ضحا) )
ص: 358
قسم آخر بالأرض و ما طحاها، و یحتمل ذلک وجهین: « وَ الْأَرْضِ وَ ما طَحاها » و من بنی السماء و هو اللَّه تعالی. و قوله
أحدهما- ان یکون المعنی و الأرض و طحوها.
و الثانی- و الأرض و من طحاها، و هو اللَّه تعالی و معنی طحاها بسطها حتی أمکن التصرف علیها. و قال مجاهد و الحسن: طحاها و
دحاها واحد، بمعنی بسطها یقال طحا یطحو طحواً و دحا یدحو دحواً و طحا بک همک. و معناه انبسط بک إلی مذهب بعید، فهو
یطحو بک طحواً قال علقمۀ:
طحا بک قلب فی الحسان طروب
و یقال: القوم یطحی بعضهم بعضاً عن الشیء أي یدفع دفعاً شدید الانبساط و الطواحی النسور تنبسط حول القتلی، و أصل الطحو
قسم آخر بالنفس و ما سواها، و هو محتمل ایضاً لامرین: أحدهما- و نفس و تسویتها، و « وَ نَفْسٍ وَ ما سَوَّاها » البسط الواسع. و قوله
الثانی- و نفس و من سواها، و هو اللَّه تعالی. و قال الحسن یعنی بالنفس آدم و من سواها اللَّه تعالی. و قیل: ان (ما) فی هذه الآیات
و إنما أراد (مَنْ) و قال ابو عمرو بن العلا: هی بمعنی الذي، و أهل مکۀ یقولون إذا «1» « فَانْکِحُوا ما طابَ لَکُمْ » بمعنی (من) کما قال
سمعوا صوت الرعد: سبحان ما سبحت له بمعنی سبحان من سبحت له.
قال ابن عباس و مجاهد و قتادة و الضحاك و سفیان: معناه عرفها طریق الفجور و التقوي و رغبها فی « فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها » و قوله
صفحۀ 190 من 233
التقوي و زهدها فی الفجور.
جواب القسم و اللام مقدرة، و « قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَکَّاها » و قال قوم: خذلها حتی اختارت الفجور و ألهمها تقواها بأن وفقها لها. و قوله
تقدیره لقد أفلح من زکاها أي
__________________________________________________
1) سورة 4 النساء آیۀ 3 )
ص: 359
من زکی نفسه بالصدقۀ، و قد خاب من دساها و أخفی عن المتصدق. و المعنی قد أفلح من زکی نفسه بالعمل الصالح أو اجتناب
وَ قَدْ » المعصیۀ- و هو قول ابن عباس و مجاهد و قتادة- و قال قوم: معنا قد أفلح من زکی اللَّه نفسه، و قد خاب من دساها نفسه و قوله
معناه قد خاب أي خسر من دس نفسه فی معاصی اللَّه منهمکاً فی القبائح التی نهاه اللَّه عنها. و قیل: معناه دساها « خابَ مَنْ دَسَّاها
بالبخل، لان البخیل یخفی نفسه و منزله لئلا یطلب نائله، و دسا نفسه نقیض زکاها بالعمل الصالح، و کذلک دساها بالعمل الفاسد
حتی صیرها فی محاق و خسران. و یقال دسا فلان یدسو دسواً و دسوة فهو داس نقیض زکا یزکو زکا فهو زاك. و قیل معنی دساها
أي دسها بمعنی حملها و وضع منها بمعصیۀ. و أبدل من أحدي السینین یاء، کما قالوا تظنیت بمعنی تظننت قال الشاعر:
«1» تقضی البازي إذا الباري کسر
بمعنی تقضض.
قوله تعالی:[سورة الشمس ( 91 ): الآیات 11 الی 15 ] ..... ص: 359
کَ ذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها ( 11 ) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها ( 12 ) فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ناقَۀَ اللَّهِ وَ سُقْیاها ( 13 ) فَکَ ذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَیْهِمْ رَبُّهُمْ
( بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها ( 14 ) وَ لا یَخافُ عُقْباها ( 15
بالفاء و کذلک هی فی مصاحف أهل المدینۀ و أهل الشام. الباقون بالواو، و « فلا یخاف » ست آیات قرأ اهل المدینۀ و ابن عامر
کذلک فی مصاحفهم.
قال « کَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها » یقول اللَّه تعالی مخبراً عن ثمود و هم قوم صالح
__________________________________________________
146 / 358 و 8 / 286 و 7 / 1) مر فی 1 )
ص: 360
ابن عباس: یعنی بعذابها أي بعذاب الطاغیۀ فأتاها ما کذبت به. و قال مجاهد: بمعصیتها- و هو قول ابن زید- و هو وجه التأویل، و
أي لما «1» « لَمَّا طَغَی الْماءُ » الطغوي و الطغیان مجاوزة الحد فی الفساد و بلوغ غایته، تقول: طغی یطغی إذا جاوز الحد، و منه قوله
أي کان تکذیبها حین انبعث أشقی ثمود، و قیل اسمه قدار بن « إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها » تجاوز المقدار علی ما جرت به العادة و کثر. و قوله
سالف.
و قال قوم: عقر الناقۀ هو تکذیبهم. و قیل: لا، بل هو غیره. و قیل: کانوا أقروا بأن لها شرباً و لهم شرب غیر مصدقین بأنه حق. و الشقاء
شدة الحال فی مقاساة الآلام، فالاشقا هو الأعظم شقاء، و نقیض الشقاء السعادة، و نقیض السعود النحوس یقال: شقی یشقی شقاء، فهو
شقی نقیض سعید، و أشقاه اللَّه اشقاء.
یعنی صالحاً، فانه قال لهم: ناقۀ اللَّه و تقدیره فاحذروا ناقۀ اللَّه، فهو نصب علی الإغراء کما تقول: الأسد « فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ » و قوله
و «2» « لَها شِرْبٌ وَ لَکُمْ شِرْبُ یَوْمٍ مَعْلُومٍ » فالسقاء الحظ من الماء. و هو النصیب منه، کما قال تعالی « وَ سُقْیاها » الأسد، أي احذره
صفحۀ 191 من 233
السقی التعریض للشرب.
یعنی الناقۀ. فالعقر قطع اللحم بما یسیل الدم عقره یعقره « فَعَقَرُوها » ، أي کذب قوم صالح صالحاً و لم یلتفتوا إلی قوله « فَکَ ذَّبُوهُ » و قوله
عقراً فهو عاقر، و منه عقر الحوض و هو أصله، و العقر نقض الشیء عن أصل بنیۀ الحیوان، و عاقر الناقۀ أحمر ثمود، و هم یروه و
معناه أهلکهم اللَّه « فَدَمْدَمَ عَلَیْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها » کلهم رضوا بفعله. فعمهم البلاء بأن عاقبهم اللَّه تعالی لرضاهم بفعله. و قوله
تعالی عقوبۀ علی ذنبهم من تکذیب صالح و عقر الناقۀ. و قیل: معنی دمدم علیهم دمر
__________________________________________________
1) سورة 69 الحاقۀ آیۀ 11 )
2) سورة 26 الشعراء آیۀ 155 )
ص: 361
علیهم. و قیل: معناه أطبق علیهم بالعذاب. یقال دمدمت علی الشیء إذا ضیقت علیه، و ناقۀ مدمدمۀ قد ألبسها الشحم، فإذا کررت
أي غضب علیهم، فالدمدمۀ تردید الحال المتکرهۀ، و هی مضاعفۀ ما فیه المشقۀ، « فَدَمْدَمَ عَلَیْهِمْ » الاطباق قلت دمدمت. و قیل
فضاعف اللَّه تعالی علی ثمود العذاب بما ارتکبوا من الطغیان.
أي جعل بعضها علی مقدار بعض فی الاندکاك و اللصوق بالأرض، فالتسویۀ تصییر الشیء علی مقدار غیره. « فَسَوَّاها » و قوله
قال ابن عباس و الحسن و قتادة و مجاهد: معناه لا یخاف اللَّه تعالی تبعۀ الدمدمۀ. و قال الضحاك: معناه لم « وَ لا یَخافُ عُقْباها » و قوله
یخف الذي عقرها عقباها و العقبی و العاقبۀ واحد، و هو ما أدي الیه الحال الأولی، قال ابو علی: من قرأ بالفاء فللعطف علی قوله
فلا یخاف کأنه تبع تکذیبهم عقرهم أي لم یخافوا. و من قرأ (و لا) بالواو جعل الجملۀ فی موضع الحال، و تقدیره « فَکَ ذَّبُوهُ فَعَقَرُوها »
فسواها غیر خائف عقباها أي غیر خائف أن یتعقب علیه فی شیء مما فعله.
ص: 362
-92 سورة اللیل ..... ص: 362
اشارة
مکیۀ فی قول ابن عباس و الضحاك و هی إحدي عشرون آیۀ بلا خلاف
[سورة اللیل ( 92 ): الآیات 1 الی 13 ] ..... ص: 362
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
( وَ اللَّیْلِ إِذا یَغْشی ( 1) وَ النَّهارِ إِذا تَجَلَّی ( 2) وَ ما خَلَقَ الذَّکَرَ وَ الْأُنْثی ( 3) إِنَّ سَعْیَکُمْ لَشَتَّی ( 4
( فَأَمَّا مَنْ أَعْطی وَ اتَّقی ( 5) وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنی ( 6) فَسَنُیَسِّرُهُ لِلْیُسْري ( 7) وَ أَمَّا مَنْ بَخِلَ وَ اسْتَغْنی ( 8) وَ کَذَّبَ بِالْحُسْنی ( 9
( فَسَنُیَسِّرُهُ لِلْعُسْري ( 10 ) وَ ما یُغْنِی عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّي ( 11 ) إِنَّ عَلَیْنا لَلْهُدي ( 12 ) وَ إِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَ الْأُولی ( 13
ثلاث عشرة آیۀ.
هذا قسم من اللَّه تعالی باللیل إذا غشیه الظلام، فأظلم و ادلّهم و غشی الأنام لما فی ذلک من الهول المحرك للنفس بالاستعظام.
ثم اقسم بالنهار إذا تجلی، و معناه إذا أنار و ظهر للابصار لما فی ذلک من الاعتبار. و قیل التقدیر و اللیل إذا یغشی النهار، فیذهب
أي جلی اللیل، فأذهب ظلمته، ذکره الحسن. و الغشی إلباس الشیء ما یغمر و یستر جملته، و إنما کرر « وَ النَّهارِ إِذا تَجَلَّی » بضوئه
صفحۀ 192 من 233
ذکرهما فی السورتین لعظم شأنهما، و جلالۀ موقعهما فی باب ص: 363
الدلالۀ علی توحید اللَّه- ذکره قتادة-.
و الذي » للتناسل بینهما. و یحتمل أن یکون المراد و من خلق الذکر و الأنثی، و فی قراءة عبد اللَّه « وَ ما خَلَقَ الذَّکَرَ وَ الْأُنْثی » و قوله
لان (ما) بمعنی الذي، و هو اللَّه، فیکون القسم باللَّه. و علی الأول یکون القسم بخلق اللَّه. و قیل: المراد بالذکر و « خلق الذکر و الأنثی
الأنثی آدم و حواء علیهما السلام.
أي متفرق « شتی » جواب للقسم، و معناه إن سعیکم لمختلف، فسعی المؤمن خلاف سعی الکافر. و معنی « إِنَّ سَ عْیَکُمْ لَشَتَّی » و قوله
علی تباعد ما بین الشیئین جداً، و منه شتان أي بعد ما بینهما جداً کبعد ما بین الثري و الثریا. و یقال:
تشتت أمر القوم و شتتهم ریب الزمان.
قال ابن عباس و عکرمۀ: « وَ صَ دَّقَ بِالْحُسْنی » - معناه من أعطی حق اللَّه و اتقی محارم اللَّه- ذکره قتادة « فَأَمَّا مَنْ أَعْطی وَ اتَّقی » و قوله
و صدق بالخلف.
و قال الضحاك: صدق بتوحید اللَّه، و قال مجاهد و الحسن: یعنی صدق بالجنۀ. و قال قتادة: بوعد اللَّه، و الحسنی النعمۀ العظمی
بحسن موقعها عند صاحبها، و هذه صفۀ الجنۀ التی أعدها اللَّه تعالی للمتقین و حرمها من کذب بها.
معناه یسهل علیه الأمر، فالتیسیر تصییر الأمر سهلا. و مثله التسهیل و التخفیف، و نقیض التیسیر التعسیر و هو « فَسَ نُیَسِّرُهُ لِلْیُسْري » و قوله
تصیر الامر صعباً.
و الیسیر نقیض العسیر، یقال: أیسر إذا کثر ماله یوسر ایساراً. و تقدیره فسنیسره للحال الیسري، فلذلک أنث فحال الیسیر الیسري، و
حال العسیر العسري.
و التیسیر للیسري یکون بأن یصیرهم إلی الجنۀ. و التیسیر للعسري بأن یصیرهم إلی النار. و یجوز أن یکون المراد بالتمکین من سلوك
طریق الجنۀ، و التمکین من سلوك طریق النار. و معناه إنا لسنا نمنع المکلفین من سلوك أحد الطریقین و لا نضطرهم التبیان فی تفسیر
القرآن، ج 10 ، ص: 364
الیه، و إنما نمکنهم بالإقرار علیهما و رفع المنع، و الترغیب فی إحداهما، و التزهید فی الاخري. فان احسن الاختیار اختار ما یؤدیه إلی
الجنۀ. و إن أساء فاختار ما یؤد به إلی النار فمن قبل نفسه أتی.
یعنی به من منع حق اللَّه الذي أوجب علیه من الزکاة و الحقوق الواجبۀ فی ماله، و استغنی بذلک و « وَ أَمَّا مَنْ بَخِلَ وَ اسْتَغْنی » و قوله
کثر ماله، فسنیسره للعسري یعنی طریق النار. و قد بینا کیفیۀ تیسیر اللَّه لذلک من التمکین أو التصییر فلا حاجۀ لإعادته. و العسري البلیۀ
العظمی بما تؤدي الیه، و نقیضها الیسري، و هو مأخوذ من العسر و الیسر، فحال العسر العسري و حال الیسر الیسري، و مذکره الأیسر، و
الأمر الأعسر. و قال الفراء: المعنی فسنیسره للعود إلی الصالح من الاعمال و نیسره من الاعمال للعسري علی مزاوجۀ الکلام. و الأولی
أن تکون الآیتان علی عمومهما فی کل من یعطی حق اللَّه، و کل من یمنع حقه، لأنه لیس- هاهنا- دلیل قاطع علی أن المختص بها
إنسان بعینه، و قد
روي أنها نزلت فی أبی الدحداح الانصاري، و سمرة بن حبیب
، و رووا فی ذلک قصۀ معروفۀ. و روي فی غیره.
و قوله
یعنی فی نار جهنم- « إِذا تَرَدَّي » معناه أي شیء یغنی عن هذا الذي بخل بماله، و لم یخرج حق اللَّه منه « وَ ما یُغْنِی عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّي »
فی قول قتادة و أبی صالح- و هو المروي عن أبی جعفر علیه السلام.
و قال مجاهد: معناه إذا مات.
صفحۀ 193 من 233
فی النار فما الذي یغنیه. « إِذا تَرَدَّي » فی القبر أي شیء یغنیه. و قیل « إِذا تَرَدَّي » و قال قوم: معناه
دلالۀ علی وجوب هدي « إِنَّ عَلَیْنا لَلْهُدي » قال قتادة معناه إن علینا لبیان الطاعۀ من المعصیۀ و قیل فی قوله « إِنَّ عَلَیْنا لَلْهُدي » و قوله
المکلفین إلی الدین، و انه ص: 365
معناه الاخبار من اللَّه بأن له دار الآخرة و الجزاء فیها علی الأعمال، و الامر و النهی لیس « وَ إِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ » لا یجوز إضلالهم منه. و قوله
معناه و إن لنا الأولی ایضاً یعنی دار الدنیا. فانه الذي خلق « وَ الْأُولی » لاحد سواه، لان دار الدنیا قد ملک فیها أقواماً التصرف، و قوله
الخلق فیها، و هو الذي مکنهم من التصرف فیها و هو الذي ملکهم ما ملکهم، فهی ایضاً ما له علی کل حال.
قوله تعالی:[سورة اللیل ( 92 ): الآیات 14 الی 21 ] ..... ص: 365
( فَأَنْذَرْتُکُمْ ناراً تَلَظَّی ( 14 ) لا یَصْلاها إِلاَّ الْأَشْقَی ( 15 ) الَّذِي کَذَّبَ وَ تَوَلَّی ( 16 ) وَ سَیُجَنَّبُهَا الْأَتْقَی ( 17 ) الَّذِي یُؤْتِی مالَهُ یَتَزَکَّی ( 18
( وَ ما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَۀٍ تُجْزي ( 19 ) إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلی ( 20 ) وَ لَسَوْفَ یَرْضی ( 21
ثمان آیات.
وعید من اللَّه تعالی للمکلفین. تقول خوفتکم المعاصی التی تؤدیکم إلی نار تلظی. « فَأَنْذَرْتُکُمْ ناراً تَلَظَّی » قوله
بتشدید التاء ادغم احدي التاءین فی الأخري، لان الأصل تتلظی. و قیل: انه ادغم نون التنوین فی التاء. « ناراً تلظی » و قرأ ابن کثیر
الباقون بالتخفیف فحذفوا احدي التاءین. و التلظی تلهب النار بشدة الإیقاد تلظت النار تتلظی تلظیاً و لظی اسم من اسماء جهنم.
و قصر عما أمرته کما تقول: لقی فلان العدو فکذب: إذا نکل و رجع- ذکره الفراء- فکأنه « لا یَصْ لاها إِلَّا الْأَشْقَی الَّذِي کَذَّبَ » و قوله
کذب فی الطاعۀ أي لم یتحقق. و قال المفسرون فیها قولان: ص: 366
أحدهما- الانذار بنار هذه صفتها، و هی درك مخصوص من أدراك جهنم فهی تختص هذا المتوعد الذي کذب بآیات اللَّه و جحد
عنها بأن لم ینظر فیها أو رجع عنها بعد أن کان نظر فیها فصار مرتداً. و الثانی محذوف لما صحبه من دلیل الآي « وَ تَوَلَّی » توحیده
الاخر، کأنه قال و من جري مجراه ممن عصی، فعلی هذا لا متعلق للخوارج فی أن مرتکب الکبیرة کافر.
« یَتَزَکَّی » أي یعطی ماله « الَّذِي یُؤْتِی مالَهُ » معناه سیبعد من هذه النار من کان اتقی اللَّه باجتناب معاصیه « وَ سَیُجَنَّبُهَا الْأَتْقَی » و قوله
یطلب بذلک طهارة نفسه، فالتجنب تصییر الشیء فی جانب عن غیره، فالاتقی یصیر فی جانب الجنۀ عن جانب النار یقال: جنبه الشر
تجنیباً و تجنب تجنباً و جانبه مجانبۀ، و رجل جنب، و قد اجنب إذا أصابه ما یجانب به الصلاة حتی یغتسل.
إِلَّا ابْتِغاءَ » معناه لیس ذلک لید سلفت تکافی علیها و لا لید یتخذها عند أحد من العباد. و قوله « وَ ما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَۀٍ تُجْزي » و قوله
معناه بل إنما فعل ذلک طلب رضوان اللَّه، و ذکر الوجه طلباً لشرف الذکر. و المعنی إلا ابتغاء ثواب اللَّه و طلب « وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلی
معناه إن هذا العبد الذي فعل ما فعله لوجه اللَّه سوف یرضی بما یعطیه اللَّه علی ذلک من الثواب و « وَ لَسَوْفَ یَرْضی » رضوانه. و قوله
جزیل النعیم یوم القیامۀ.
ص: 367
-93 سورة الضحی ..... ص: 367
اشارة
مکیۀ فی قول ابن عباس الضحاك، و هی إحدي عشرة آیۀ بلا خلاف
[سورة الضحی ( 93 ): الآیات 1 الی 11 ] ..... ص: 367
صفحۀ 194 من 233
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
( وَ الضُّحی ( 1) وَ اللَّیْلِ إِذا سَجی ( 2) ما وَدَّعَکَ رَبُّکَ وَ ما قَلی ( 3) وَ لَلْآخِرَةُ خَیْرٌ لَکَ مِنَ الْأُولی ( 4
وَ لَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضی ( 5) أَ لَمْ یَجِدْكَ یَتِیماً فَآوي ( 6) وَ وَجَدَكَ ضَا  لا فَهَدي ( 7) وَ وَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنی ( 8) فَأَمَّا الْیَتِیمَ فَلا
( تَقْهَرْ ( 9
( وَ أَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ ( 10 ) وَ أَمَّا بِنِعْمَۀِ رَبِّکَ فَحَدِّثْ ( 11
احدي عشرة آیۀ.
بالتخفیف من قولهم: « ما ودعک ربک » روي أن عروة ابن الزبیر قرأ
ودع یدع أي ترك یترك، و هو قلیل، لان سیبویه قال: استغنوا ب (ترك) عن (ودع) فلم یستعملوه. الباقون بالتشدید.
هذا قسم من اللَّه تعالی بالضحی، و هو صدر النهار، و هو الضحی المعروف- فی قول قتادة- و قال الفراء: هو النهار کله من قولهم:
.«1» « وَ أَنَّکَ لا تَظْمَؤُا فِیها وَ لا تَضْحی » ضحی فلان للشمس إذا ظهر لها. و فی التنزیل
__________________________________________________
1) سورة 20 طه آیۀ 119 )
ص: 368
و قوله (وَ اللَّیْلِ إِذا سَجی) قسم آخر، و قال الحسن: معنی (سجی) غشی بظلامه. و قال قتادة: معنی (سجی) سکن و هذا من قولهم:
بحر ساج أي ساکن، و به قال الضحاك، یقال: سجا یسجو سجواً إذا هدئ و سکن، و طرف ساج قال الأعشی:
«1» فما ذنبنا ان جاش بحر ابن عمکم و بحرك ساج لا یواري الدعا مصا
و قال الراجز:
«2» یا حبذا القمراء و اللیل الساج و طرق مثل ملاء النساج
و قوله (ما وَدَّعَکَ رَبُّکَ وَ ما قَلی) جواب القسم. و قیل: إنه لما تأخر عنه الوحی خمس عشرة لیلۀ، قال قوم من المشرکین: و دع اللَّه
محمداً و قلاه. فانزل اللَّه تعالی هذه السورة تکذیباً لهم و تسلیۀ للنبی صلی الله علیه و آله، لأنه کان اغتم بانقطاع الوحی عنه- ذکره
ابن عباس و قتادة و الضحاك- و معنی (ما ودعک) ما قطع الوحی عنک، و معنی (قلی) أبغض- فی قول ابن عباس و الحسن و ابن
زید- و القالی المبغض یقال: قلاه یقلاه قلا إذا أبغضه. و العقل دال علی انه لا یجوز ان یقلی اللَّه احداً من أنبیائه. و التقدیر ما قلاك،
فحذف الکاف لدلالۀ الکلام علیه، و لأن رؤس الآي بالیاء، فلم یخالف بینها، و مثله (فآوي، و فهدي، و فأغنی) لأن الکاف فی جمیع
ذلک محذوفۀ، و لما قلناه.
و قوله (وَ لَلْآخِرَةُ خَیْرٌ لَکَ مِنَ الْأُولی) خطاب للنبی صلی اللَّه علیه و آله یقول الله تعالی له إن ثواب الآخرة و النعیم الدائم فیها خیر
لک من الأولی یعنی من الدنیا، و الکون فیها لکونها فانیۀ. قال ابن عباس: له فی الجنۀ ألف قصر من اللؤلؤ ترابه المسک، و فیه من
کل ما یشتهی علی أعم الوصف.
__________________________________________________
91 و دیوانه 100 / 1) تفسیر القرطبی 20 )
[.....] 302 و اللسان (سجی) و الکامل 244 / 2) مجاز القرآن 2 )
ص: 369
و قوله (وَ لَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضی) وعد من الله له أن یعطیه من النعیم و الثواب و فنون النعم ما یرضی النبی صلی اللَّه علیه و آله
به و یؤثره.
صفحۀ 195 من 233
ثم عدد علیه النعمۀ فی دار الدنیا فقال (أَ لَمْ یَجِدْكَ یَتِیماً فَآوي) و معناه تقریره علی نعم اللَّه علیه حین مات أبوه و بقی یتیماً فآواه بأن
سخر له عبد المطلب أولا، و لما مات عبد المطلب آواه إلی أبی طالب، و سخره للاشفاق علیه و الحنین علی حفظه و مراعاته.
قیل فی معناه أقوال: « وَ وَجَدَكَ ضَالا فَهَدي » و قوله
أحدها- وجدك لا تعرف الحق فهداك الیه بأن نصب لک الادلۀ و أرشدك الیها حتی عرفت الحق، و ذلک من نعم اللَّه.
و ثانیها- وجدك ضالا عما أنت علیه الآن من النبوة و الشریعۀ، فهداك الیها و ثالثها- وجدك فی قوم ضلال أي فکأنک واحد منهم.
و رابعها- وجدك مضلولا عنک فهدي الخلق إلی الإقرار بنبوتک و الاعتراف بصدقک فوجدك ضالا بمعنی مضلول کما قیل ماء
دافق بمعنی مدفوق، و سر کاتم بمعنی مکتوم.
و خامسها- أنه لما هاجر إلی المدینۀ ضل فی الطریق، و ضل دلیله فأرشدهم اللَّه الی الطریق الواضح حتی وصلوا فإذا قیل: السورة
مکیۀ أمکن أن یقال: المراد بذلک الاستقبال و الاعلام له أنه یکون هذا علی وجه البشارة له به، و لم یکن فعلا له معصیۀ، لأنه لیس
ذهاباً عما کلف.
و قوله (وَ وَجَ دَكَ عائِلًا فَأَغْنی) فالعائل الفقیر، و هو ذو العیلۀ من غیر جدة عال یعیل عیلۀ إذا کثر عیاله و افتقر قال الشاعر: التبیان فی
تفسیر القرآن، ج 10 ، ص: 370
«1» و ما یدري الفقیر متی غناه و ما یدري الغنی متی یعیل
أي متی یفتقر. و قیل ان ذکر النعم من المنعم یحسن علی وجهین:
أحدهما- التذکیر للشکر و طلب الزیادة منها فهذا جود و کرم.
و الآخر- عند کفر المنعم علیه، فهذا التذکیر علی الوجه الاول.
و قوله (فَأَمَّا الْیَتِیمَ فَلا تَقْهَرْ) أي لا تقهره لظلمه بأخذ ماله فکذلک من لا ناصر له لا تغلظ فی أمره، و الخطاب متوجه إلی النبی صلی
اللَّه علیه و آله و هو نهی لجمیع المکلفین و قیل: معناه لا تقهره علی ماله.
و قوله (وَ أَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) فالانتهار هو الصیاح فی وجه السائل الطالب للرفد، یقال: نهره و انتهره بمعنی واحد، و هو متوجه إلی
جمیع المکلفین.
و قوله (وَ أَمَّا بِنِعْمَۀِ رَبِّکَ فَحَدِّثْ) معناه اذکر نعم اللَّه و أظهرها و تحدث بها.
و قد قیل: من شکر النعمۀ الحدیث بها.
فان قیل: فی هذا و نظائره مما عدده اللَّه علی خلقه من النعم و امتنانه علیهم کیف یمنن اللَّه تعالی علی خلقه بالنعم و ذلک من فعل
النجل، لان الواحد منا لو منّ علی غیره بما یسدي الیه کان مقبحاً؟! قبل: إنما یقبح الامتنان إذا کان الغرض الإزراء بالنعم علیه و
التفضیل به، فاما إذا کان الغرض تعریف النعمۀ و تعدیدها و إعلامه وجوهها لیقابلها بالشکر فیستحق به الثواب و المدح، فانه نعمۀ
اخري و تفضل آخر یستحق به الشکر فبطل ما قالوه.
__________________________________________________
235 / 109 و 5 / 302 و قد مر فی 3 / 1) مجاز القرآن 2 )
ص: 371
-94 سورة الانشراح ..... ص: 371
اشارة
صفحۀ 196 من 233
مکیۀ فی قول ابن عباس و الضحاك، و هی ثمان آیات بلا خلاف
[سورة الشرح ( 94 ): الآیات 1 الی 8] ..... ص: 371
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
( أَ لَمْ نَشْرَحْ لَکَ صَدْرَكَ ( 1) وَ وَضَعْنا عَنْکَ وِزْرَكَ ( 2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ ( 3) وَ رَفَعْنا لَکَ ذِکْرَكَ ( 4
( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ یُسْراً ( 5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ یُسْراً ( 6) فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ( 7) وَ إِلی رَبِّکَ فَارْغَبْ ( 8
ثمان آیات.
روي أصحابنا ان أ لم نشرح من الضحی سورة واحدة لتعلق بعضها ببعض و لم یفصلوا بینهما ب (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ) و أوجبوا
قراءتهما فی الفرائض فی رکعۀ و ألا یفصل بینهما. و مثله قالوا فی سورة (أ لم تر کیف) و (الإیلاف) و فی المصحف هما سورتان
فصل بینهما ببسم اللَّه.
و المعنی بهذه الآیات تعداد نعم اللَّه تعالی علی النبی صلی اللَّه علیه و آله فی الامتنان بها علیه فقال (أَ لَمْ نَشْرَحْ لَکَ صَ دْرَكَ)
فالشرح فتح الشیء باذهاب ما یصد عن إدراکه فاللَّه تعالی قد فتح صدر نبیه باذهاب الشواغل التی تصد عن إدراك الحق و تعظیمه
بما یجب له. و منه قول القائل: اشرح صدري لهذا الأمر. و شرح فلان کتاب کذا، و منه تشریح اللحم إذا فتحه و رققه. و منه قوله (أَ
فَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ ص: 372
لِلْإِسْلامِ)
و قال البلخی: کان النبی صلی اللَّه علیه و آله ضاق صدره بمغاضبۀ الجن و الانس له فآتاه اللَّه من آیاته و وعده ما اتسع قلبه لکل .«1»
ما حمله اللَّه و أمره به. و قال الجبائی:
شرح اللَّه صدره بأن فعل له لطفاً بسنن منه إلی ما کلفه اللَّه و سهل علیه، و کان ذلک ثواباً علی طاعاته لا یجوز فعله بالکفار، و عکسه
ضیق الصدر کما قیل فی قوله (فَمَنْ یُرِدِ اللَّهُ أَنْ یَهْدِیَهُ یَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَ مَنْ یُرِدْ أَنْ یُضِلَّهُ یَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَیِّقاً حَرَجاً کَأَنَّما یَصَّعَّدُ
و الصدر الموضع الأرفع الذي فیه القلب، و منه أخذ صدر المجلس «2» ( فِی السَّماءِ کَ ذلِکَ یَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَی الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ
تشبیهاً بصدر الإنسان.
و صدرته بکذا إذا جعلته فی أول کلامک. و الصدر لأن الأوامر تصدر عنه.
و صادره إذا أخذ ما یصدر عنه و الأصل الانصراف عن الشیء.
و قوله (وَ وَضَ عْنا عَنْکَ وِزْرَكَ) قال الحسن: یعنی بالوزر الذي کان علیه فی الجاهلیۀ قبل النبوة. و قال مجاهد و قتادة و الضحاك و
ابن زید: یعنی ذنبک. قالوا:
و إنما وصفت ذنوب الأنبیاء بهذا الثقل مع انها صغائر مکفرة لشدة اغتمامهم بها و تحسرهم علی وقوعها مع ندمهم علیها. و هذان
التأویلان لا یصحان علی مذهبنا، لان الأنبیاء علیهم السلام لا یفعلون شیئاً من القبائح لا قبل النبوة و لا بعدها و لا صغیرة و لا کبیرة،
فإذا ثبت هذا، فمعنی الآیۀ هو أن اللَّه تعالی لما بعث نبیه و أوحی الیه و انتشر أمره و ظهر حکمه کان ما کان من کفار قومه و تتبعهم
لأصحابه باذاهم له و تعرضهم إیاهم ما کان یغمه و یسؤه و یضیق صدره و یثقل علیه، فأزال اللَّه ذلک بأن أعلی کلمته و أظهر دعوته
و قهر عدوه. و أنجز وعده و نصره علی قومه، فکان ذلک من أعظم المنن و أجزل النعم.
فإذا قیل: السورة مکیۀ، و کان ما ذکرتموه بعد الهجرة؟!
__________________________________________________
1) سورة 39 الزمر آیۀ 22 )
صفحۀ 197 من 233
2) سورة 6 الانعام آیۀ 125 )
ص: 373
قیل: لیس یمنع أن یکون اللَّه أخبره بأن ذلک سیکون فیما بعد لیبشره به و یسلیه عما هو علیه فجاء بلفظ الماضی و أراد الاستقبال،
و الوزر الثقل فی اللغۀ، و منه «2» ( و کما قال (وَ نادَوْا یا مالِکُ لِیَقْضِ عَلَیْنا رَبُّکَ «1» ( کما قال (وَ نادي أَصْحابُ الْجَنَّۀِ أَصْحابَ النَّارِ
اشتق اسم الوزیر لتحمله أثقال الملک. و إنما سمیت الذنوب أوزاراً لما فیها من العقاب العظیم.
و قوله (الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) نعت للوزر، و وصفه بأنه انقض ظهره بمعنی أثقله، و الانقاض الأثقال الذي ینتقض به ما حمل علیه،
أنقض ینقض انقاضاً و النقض و الهدم واحد، و نقض المذهب إبطاله بما یفسده. و قال الحسن و مجاهد و قتادة و ابن زید: معنی
انقض أثقل، و بعیر نقض سفر إذا أثقله السفر.
و قوله (وَ رَفَعْنا لَکَ ذِکْرَكَ) قال الحسن و مجاهد و قتادة: معناه إنی لا اذکر إلا ذکرت معی یعنی ب (لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه
صلی الله علیه و آله).
و قوله (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ یُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ یُسْراً) یدل علی أن التأویل فی قوله (وَ وَضَعْنا عَنْکَ وِزْرَكَ) ما قلناه، لأن اللَّه بشره أنه یکون
مع العسر یسراً و روي عن ابن عباس أنه قال: لن یغلب عسر واحد یسرین، لأنه حمل العسر فی الآیتین علی انه واحد لکونها بالألف و
اللام، و الیسر منکر فی تثنیۀ الفائدة، و الثانی غیر الاول، و العسر صعوبۀ الامر و شدته، و الیسر سهولته.
ثم قال له (فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ) قال ابن عباس: معناه فإذا فرغت من فرضک فانصب الی ما رغبک الله فیه من العمل. و قال قتادة: معناه
فإذا فرغت من صلاتک فانصب الی ربک فی الدعاء. و قال مجاهد: معناه فإذا فرغت من أمر دنیاك فانصب الی عبادة ربک. و معنی
(بْ صَنْ ا
فَ )
ب
ص
ا
ن
ل
ا
ق
ی
:
ه
ل
ا
ن
م
ه
ب
ص
ا
ن
ي
أ
و
ذ
__________________________________________________
1) سورة 7 الاعراف آیۀ 43 )
2) سورة 43 الزخرف آیۀ 77 )
ص: 374
نصب. و یقال: أنصبنی الهم فهو منصب قال الشاعر:
«1» تعناك هم من أمیمۀ منصب
و قال النابغۀ:
«2» کلینی لهم یا امیمه ناصب
أي ذات رضی. و الخطاب و إن کان متوجهاً إلی النبی صلی اللَّه علیه و آله فالمراد به جمیع «3» ( أي فیه نصب کقوله (عِیشَۀٍ راضِ یَۀٍ
المکلفین من أمته، و الفراغ انتفاء کون الشیء المضاد لکون غیره فی المحل. و نقیضه الشغل، و هو کون الشیء المضاد فی المحل و
منه أخذ شغل الافعال، و لهذا لا یوصف تعالی بأنه یشغله شیء عن شیء، لأنه تعالی یخترع ما شاء من الافعال.
و قوله (وَ إِلی رَبِّکَ فَارْغَبْ) حث له علی الرغبۀ فی الطلب من الله تعالی دون غیره.
__________________________________________________
567 / 1) مر فی 8 )
567 ،122 / 329 و 8 95 / 368 و 6 / 2) مر فی 5 )
3) سورة 69 الحاقۀ آیۀ 21 و سورة 101 القارعۀ آیۀ 7 )
ص: 375
صفحۀ 198 من 233
-95 سورة التین ..... ص: 375
اشارة
مکیۀ فی قول ابن عباس و الضحاك، و هی ثمان آیات بلا خلاف
[سورة التین ( 95 ): الآیات 1 الی 8] ..... ص: 375
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
( وَ التِّینِ وَ الزَّیْتُونِ ( 1) وَ طُورِ سِینِینَ ( 2) وَ هذَا الْبَلَدِ الْأَمِینِ ( 3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِی أَحْسَنِ تَقْوِیمٍ ( 4
ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِینَ ( 5) إِلاَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَیْرُ مَمْنُونٍ ( 6) فَما یُکَ ذِّبُکَ بَعْدُ بِالدِّینِ ( 7) أَ لَیْسَ اللَّهُ
( بِأَحْکَمِ الْحاکِمِینَ ( 8
ثمان آیات.
هذا قسم من اللَّه تعالی بالتین و الزیتون، و قال الحسن و مجاهد و عکرمۀ و قتادة: هو التین الذي یؤکل و الزیتون الذي یعصر. و قال
ابن زید: التین مسجد دمشق و الزیتون بیت المقدس. قال الفراء: سمعت رجلا من أهل الشام، و کان صاحب تفسیر، قال: التین جبال ما
بین حلوان إلی همدان، و الزیتون الذي یعصر (وَ طُورِ سِینِینَ) هو قسم آخر. و قال مجاهد و قتادة (الطور) جبل. و (سِینِینَ) معناه
مبارك، فکأنه قیل: جبل فیه الخیر الکثیر، لأنه أضافه إضافۀ تعریف. و قال الحسن: طُورِ سِینِینَ هو الجبل الذي کلم اللَّه علیه موسی بن
عمران علیه السلام، فهو عظیم ص: 376
الشأن. و قیل: سِینِینَ بمعنی حسن، لأنه کثیر النبات و الشجر- فی قول عکرمۀ- و قوله (وَ هذَا الْبَلَدِ الْأَمِینِ) قسم آخر، و قال ابن عباس
«1» ( و مجاهد و قتادة و ابن زید و ابراهیم: البلد الأمین مکۀ، و الأمین بمعنی آمن، کما قال اللَّه تعالی (أَ وَ لَمْ یَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً
قال الشاعر:
«2» أ لم تعلمی یا اسم ویحک اننی حلفت یمیناً لا أخون أمینی
یرید أمنی، و قوله (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِی أَحْسَنِ تَقْوِیمٍ) جواب القسم قال ابن عباس: خلق اللَّه تعالی الإنسان فی أحسن تقویم منتصب
القامۀ و سائر الحیوان منکب. و قال الفراء: معناه إنا لنبلغ بالآدمی أحسن تقویمه، و هو اعتداله و استواء شبابه، و هو أحسن ما یکون. و
قال الحسن و مجاهد و قتادة: معناه فی أحسن صورة و التقویم تصبیر الشیء علی ما ینبغی أن یکون علیه من التألیف و التعدیل، قومه
تقویماً فاستقام، و تقوم.
و قوله (ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِینَ) قال ابن عباس و ابراهیم و قتادة: معناه إلی أرذل العمر، و قال الحسن و مجاهد و ابن زید: ثم رددناه
إلی النار فی أقبح صورة ثم استثنی من جملتهم (إِلَّا الَّذِینَ آمَنُوا) باللَّه تعالی و أخلصوا العبادة له (وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي و أضافوا
إلی ذلک الاعمال الصالحات، و بین أن من هذه صفته (فَلَهُمْ أَجْرٌ) أي ثواب علی طاعاتهم (غَیْرُ مَمْنُونٍ) أي غیر منقوص. و قیل غیر
مقطوع، و قال مجاهد: غیر محسوب، و قیل غیر مکدر بما یؤذي و یغم.
و قوله (فَما یُکَذِّبُکَ بَعْدُ بِالدِّینِ) معناه أي شیء یکذبک أیها الإنسان بعد هذه الحجج بالدین الذي هو الجزاء. و قال قتادة: معناه فمن
یکذبک أیها الإنسان
__________________________________________________
1) سورة 29 العنکبوت آیۀ 67 )
113 / 2) تفسیر القرطبی 20 )
صفحۀ 199 من 233
ص: 377
بعدها بالدین الذي هو الجزاء و الحساب، و هو قول الحسن و عکرمۀ.
و قوله (أَ لَیْسَ اللَّهُ بِأَحْکَمِ الْحاکِمِینَ) تقریر للإنسان علی الاعتراف بأنه تعالی أحکم الحاکمین صنعاً و تدبیراً، لأنه لا خلل فیه و لا
اضطراب یخرج عما تقتضیه الحکمۀ و فی ذلک دلالۀ علی فساد مذهب المجبرة فی أن اللَّه یخلق الظلم و الفساد. و الحکم الخبر بما
فیه فائدة بما تدعو الیه الحکمۀ، فإذا قیل: حکم جائر فهو بمنزلۀ حجۀ داحضۀ مجازاً بمعنی أنه حکم عند صاحبه کما أنها حجۀ عنده،
و لیست حجۀ فی الحقیقۀ. و قیل:
المعنی أي شیء یکذبک بالدین، و یحملک علی جحد الجزاء یوم القیامۀ و أنا أحکم الحاکمین. و روي عن ابن عباس أنه کان إذا
قرأ (أَ لَیْسَ اللَّهُ بِأَحْکَمِ الْحاکِمِینَ) قال: سبحانک اللهم بلی، و
روي أبو هریرة عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال (إذا قرأ أحدکم و التین و الزیتون فأتی علی آخرها فلیقل: بلی).
ص: 378
-96 سورة العلق ..... ص: 378
اشارة
مکیۀ فی قول ابن عباس و الضحاك، و هی تسع عشرة آیۀ فی الکوفی و البصري و عشرون فی المدنیین
[سورة العلق ( 96 ): الآیات 1 الی 10 ] ..... ص: 378
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّکَ الَّذِي خَلَقَ ( 1) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ ( 2) اقْرَأْ وَ رَبُّکَ الْأَکْرَمُ ( 3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ( 4
( عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ یَعْلَمْ ( 5) کَلاَّ إِنَّ الْإِنْسانَ لَیَطْغی ( 6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنی ( 7) إِنَّ إِلی رَبِّکَ الرُّجْعی ( 8) أَ رَأَیْتَ الَّذِي یَنْهی ( 9
( عَبْداً إِذا صَلَّی ( 10
عشر آیات.
روي عن عائشۀ و مجاهد و عطاء و ابن سیار: ان أول آیۀ نزلت قوله (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّکَ الَّذِي خَلَقَ) و هو قول أکثر المفسرین. و قال
قوم: أول ما نزل قوله (یا أَیُّهَا الْمُدَّثِّرُ) و قد ذکرناه فیما مضی.
هذا أمر من اللَّه تعالی لنبیه صلی الله علیه و آله ان یقرأ باسم ربه الذي خلق الخلق، و أن یدعوه بأسمائه الحسنی. و فی تعظیم الاسم
تعظیم المسمی، لأن الاسم وصف لیذکر به المسمی بما لا سبیل إلی تعظیمه إلا بمعناه، فلهذا لا یعظم اسم اللَّه حق التبیان فی تفسیر
القرآن، ج 10 ، ص: 379
تعظیمه إلا من هو عارف به و معتقد لعبادة ربه، فهو معتقد بتعظیم المسمی لا وجه له یعتد به إلا تعظیم المسمی، و لهذا قال اللَّه تعالی
و قال اللَّه تعالی (تَبارَكَ اسْمُ «2» ( و قال (فَسَ بِّحْ بِاسْمِ رَبِّکَ «1» ( (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَیا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنی
و الباء زائدة، و تقدیره اقرأ اسم ربک. «3» ( رَبِّکَ ذِي الْجَلالِ وَ الْإِکْرامِ
و قوله (الذي خلق) فی موضع جر، نعت ل (ربک) الذي خلق الخلائق و أخرجهم من العدم إلی الوجود. و قوله (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ
عَلَقٍ) تخصیص لبعض ما ذکره بقوله (الذي خلق) لأنه یشتمل علی الإنسان و غیره، و إنما أفرد الإنسان بالذکر تشریفاً له و تنبیهاً علی
ما خصه اللَّه به من سائر الحیوان، و بین أنه مع ذلک خلقه اللَّه من علق، و هو القطعۀ الجامدة من الدم، و إنما قال (علق) و هو جمع
صفحۀ 200 من 233
علقۀ لأن المراد بالإنسان الجمع، لأنه اسم جنس، و سمی به قطع الدم التی تعلق لرطوبتها بما تمر به، فإذا جفت لا تسمی علقاً، و
واحدها (علقۀ) مثل شجرة و شجر. و علق فی معنی الجمع، لان الإنسان جمع علی طریق الجنس، و النطفۀ تستحیل فی الرحم علقۀ ثم
مضغۀ و یسمی ضرب من الدود الأسود العلق، لأنه یعلق علی الشفتین لداء یصیبها فیمتص الدم. و فی خلق الإنسان من علق دلیل علی
ما یصح أن ینقلب الیه الجوهر.
و قوله (اقْرَأْ وَ رَبُّکَ الْأَکْرَمُ) معناه اقرأ القرآن و ربک الأکرم و معنی الأکرم:
الأعظم کرماً و فی صفۀ اللَّه تعالی معناه الأعظم کرماً بما لا یبلغه کرم، الذي یثیبک علی عملک بما یقتضیه کرمه، لأنه یعطی من
النعم ما لا یقدر علی مثله غیره، فکل نعمۀ من جهته تعالی، إما بأن اخترعها أو سببها و سهل الطریق الیها.
__________________________________________________
1) سورة 17 الإسراء آیۀ 110 )
2) سورة 69 الحاقۀ آیۀ 52 )
3) سورة 55 الرحمن آیۀ 78 )
ص: 380
و قوله (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) (الذي) فی موضع رفع، لأنه نعت لقوله (و ربک) و المعنی إنه تعالی امتن علی خلقه بما علمهم من کیفیۀ
الکتابۀ بالقلم، لما فی ذلک من کثرة الانتفاع لخلقه، فقد نوّه اللَّه بذکر القلم إذ ذکره فی کتابه، و قد وصف بعض الشعراء القلم فقال:
لعاب الافاعی القاتلات لعابه و أري الجنا اشتارته أید عواسل
و قوله (عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ یَعْلَمْ) امتنان من اللَّه تعالی علی خلقه بأن علمهم ما لم یکونوا عالمین به إما بخلق العلوم فی قلوبهم من
الضروریات أو بنصب الأدلۀ لهم علی الوصول الیها فیما لم یعلموه ضرورة، و ذلک من أعظم نعم اللَّه تعالی علی خلقه. و فی ذلک
دلالۀ علی انه تعالی عالم لان العلم لا یقع إلا من عالم.
و قوله (کلا) ردع و زجر و تقدیره ارتدعوا و انزجروا معاشر المکلفین، ثم اخبر (إِنَّ الْإِنْسانَ لَیَطْغی) و یحتمل أن یکون بمعنی حقاً
علی وجه القسم بأن الإنسان لیطغی أي لیجاوز الحد فی العصیان و الخروج عن الطاعۀ (أَنْ رَآهُ اسْتَغْنی) أي إذا کثر ماله و استغنی بطر
و طغی، و خرج عن الحد المحدود له، و یجوز أن یقال: زید رآه استغنی من الرؤیۀ بمعنی العلم، و لا یجوز من رؤیۀ العین، زید (رآه)
حتی تقول رأي نفسه، لان الذي یحتاج إلی خبر جاز فیه الضمیر المتصل لطول الکلام بلزوم المفعول الثانی. و قرأ ابو عمرو (رآه)
بفتح الراء و کسر الهمزة.
و قرأ نافع و حفص عن عاصم بالفتح فیهما. الباقون بفتح الراء و بعد الهمزة الف علی وزن (وعاه) علی إمالۀ الفتحۀ، و ابو عمرو یمیل
الالف.
ثم قال علی وجه التهدید لهم (إِنَّ إِلی رَبِّکَ الرُّجْعی)
فالرجعی و المرجع و الرجوع واحد أي مصیرهم و مرجعهم إلی اللَّه فیجازیهم اللَّه علی أفعالهم علی الطاعات بالثواب، و علی
المعاصی بالعقاب. ص: 381
و قوله (أَ رَأَیْتَ الَّذِي یَنْهی عَبْداً إِذا صَلَّی) تقریر للنبی صلی الله علیه و آله و إعلام له ما یفعله بمن ینهاه عن الصلاة. و قیل: إن الآیات
نزلت فی أبی جهل بن هشام، و المراد بالعبد فی الآیۀ النبی صلی الله علیه و آله
فان أبا جهل کان ینهی النبی صلی الله علیه و آله عن الصلاة و کان النبی صلی اللَّه علیه و آله لما قال ابو جهل: أ لم أنهک عن
الصلاة انتهره و اغلظ له، فقال أبو جهل، أنا اکثر أهل هذا الوادي نادیاً- ذکره ابن عباس و قتادة-
و المعنی أ رأیت یا محمد صلی اللَّه علیه و آله من فعل ما ذکرناه من منع الصلاة، و ینهی المصلین عنها؟
صفحۀ 201 من 233
ما ذا یکون جزاؤه؟ و ما یکون حاله عند اللَّه؟ و ما الذي یستحقه من العقاب؟.
قوله تعالی:[سورة العلق ( 96 ): الآیات 11 الی 19 ] ..... ص: 381
أَ رَأَیْتَ إِنْ کانَ عَلَی الْهُدي ( 11 ) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوي ( 12 ) أَ رَأَیْتَ إِنْ کَ ذَّبَ وَ تَوَلَّی ( 13 ) أَ لَمْ یَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ یَري ( 14 ) کَلاَّ لَئِنْ لَمْ یَنْتَهِ
( لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِیَۀِ ( 15
( ناصِیَۀٍ کاذِبَۀٍ خاطِئَۀٍ ( 16 ) فَلْیَدْعُ نادِیَهُ ( 17 ) سَنَدْعُ الزَّبانِیَۀَ ( 18 ) کَلاَّ لا تُطِعْهُ وَ اسْجُدْ وَ اقْتَرِبْ ( 19
تسع آیات.
لما قال للنبی صلی اللَّه علیه و آله (أَ رَأَیْتَ الَّذِي یَنْهی عَبْداً إِذا صَ لَّی) بین ما ینبغی أن یقال له فانه یقال له (أَ رَأَیْتَ إِنْ کانَ) هذا
الذي صلی (عَلَی الْهُدي) و الطریقۀ الصحیحۀ (أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوي) أي بأن یتقی معاصی اللَّه کیف یکون حال من ینهاه عن الصلاة و
یزجره عنها؟! ثم قال للنبی صلی اللَّه علیه و آله (أَ رَأَیْتَ إِنْ کَ ذَّبَ وَ تَوَلَّی) بما یقال له و أعرض عن قبوله. و الإصغاء الیه (أَ لَمْ یَعْلَمْ
بِأَنَّ اللَّهَ یَري) أي یعلم ما یفعله و یدرك ما یصنعه، فالهدي البیان عن الطریق المؤدي إلی الغرض الحکمی یقال: التبیان فی تفسیر
القرآن، ج 10 ، ص: 382
هداه إلی الحق فی الدین یهدیه هدي، و العمل بالبیان عن طریق الرشد هدي، و کذلک باللطف فیه. و التقوي تجنب ما یؤدي إلی
الردي، اتقاه اتقاء و تقوي و الأصل وقیاً. فأبدلت الواو تاء، و الیاء واواً، لأن التاء أحسن أولا من الواو مع مناسبتها بالقرب و امتناع
المخرج، و التقدیر أ رأیت الذي فعل هذا الفعل ما الذي یستحق بذلک من اللَّه من العقاب. ثم قال علی وجه التهدید (کَلَّا لَئِنْ لَمْ یَنْتَهِ)
عن هذا الفعل و القول (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِیَۀِ) أي لنغیرن بها إلی حال تشویه، یقال:
سفعته النار و الشمس إذا غیرت وجهه إلی حال تشویه، و قیل: هو أن یجر بناصیته إلی النار، و الناصیۀ شعر مقدم الرأس. و هو من
ناصی یناصی مناصاة إذا واصل قال الراجز:
«1» قیّ یناصیها بلاد قیّ
فالناصیۀ متصلۀ بشعر الرأس. و قوله (ناصیۀ) بدل من (الناصیۀ) بدل النکرة من المعرفۀ و وصفها بأنها (کاذِبَۀٍ خاطِئَۀٍ) و منعاه أن
صاحبها کاذب فی أقواله خاطئ فی أفعاله و أضاف الفعل الیها لما ذکر الخبر بها. و قوله (فَلْیَدْعُ نادِیَهُ) وعید للذي قال: أنا اکثر هذا
و «2» ( الوادي نادیاً بأن قیل له (فَلْیَدْعُ نادِیَهُ) إذا حل عقاب اللَّه به. و قال ابو عبیدة: تقدیره، فلیدع أهل نادیه، کقوله (وَ سْئَلِ الْقَرْیَۀَ
نحن (الزَّبانِیَۀَ) یعنی الملائکۀ الموکلین بالنار- فی قول ابن « سَنَدْعُ » ثم قال «3» ( النادي الفناء و منه قوله (وَ تَأْتُونَ فِی نادِیکُمُ الْمُنْکَرَ
عباس و قتادة و مجاهد و الضحاك- و قال ابو عبیدة: واحد الزبانیۀ زبینۀ، و قال الکسائی واحدهم زبنی.
و قال الأخفش: واحدهم زابن. و قیل: زبنیۀ. و یجوز أن یکون اسماً للجمع مثل
__________________________________________________
[.....] 508 ،477 / 11 و 9 / 1) مر فی 6 )
2) سورة 12 یوسف آیۀ 82 )
3) سورة 29 العنکبوت آیۀ 29 )
ص: 383
أبابیل، و الزبن الدفع، و الناقۀ تزبن الحالب أي ترکضه برجلها، و قال الشاعر:
و مستعجب مما یري من أناتنا و لو زبنته الحرب لم یترمرم
ثم قال (کَلَّا) أي ارتدع و انزجر ف (لا تُطِعْهُ) أي لا تطع هذا الکافر، فانه لیس الامر علی ما یظن هذا الکافر و هو أبو جهل الذي نزلت
صفحۀ 202 من 233
من ثوابه بطاعته. و قیل: معناه تقرب الیه بطاعته دون الریاء و السمعۀ. و السجود- هنا- « وَ اقْتَرِبْ » للَّه تعالی و أطعه « وَ اسْجُدْ » الآیات فیه
فرض و هو من العزائم، و هی أربعۀ مواضع: ألم تنزیل، و حم السجدة، و النجم، و اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّکَ. و ما عداها فی جمیع القرآن
مسنون لیس بمفروض. و فیه خلاف ذکرناه فی الخلاف.
ص: 384
-97 سورة القدر ..... ص: 384
اشارة
مدنیۀ فی قول الضحاك. و قال عطاء الخراسانی هی مکیۀ، و هی خمس آیات بلا خلاف.
[سورة القدر ( 97 ): الآیات 1 الی 5] ..... ص: 384
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِی لَیْلَۀِ الْقَدْرِ ( 1) وَ ما أَدْراكَ ما لَیْلَۀُ الْقَدْرِ ( 2) لَیْلَۀُ الْقَدْرِ خَیْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ( 3) تَنَزَّلُ الْمَلائِکَۀُ وَ الرُّوحُ فِیها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ
( کُلِّ أَمْرٍ ( 4
( سَلامٌ هِیَ حَتَّی مَطْلَعِ الْفَجْرِ ( 5
بکسر اللام علی معنی وقت طلوعه. « مطلع الفجر » خمس آیات قرأ الکسائی و خلف
بمعنی الواحد من « من کل أمر » بمعنی من الملائکۀ. الباقون « من کل امرئ » الباقون بالفتح علی المصدر، و روي عن ابن عباس انه قرأ
الأمور.
یقول اللَّه تعالی مخبراً انه أنزل القرآن فی لیلۀ القدر، فالهاء کنایۀ عن القرآن، و إنما کنی عما لم یجر له ذکر، لأنه معلوم لا یشتبه
الحال فیه. و قال ابن عباس:
أنزل اللَّه القرآن جملۀ واحدة إلی سماء الدنیا فی لیلۀ القدر، و قال الشعبی: إنا ابتدأنا إنزاله فی لیلۀ القدر، و لیلۀ القدر هی اللیلۀ التی
یحکم اللَّه فیها و یقضی بما یکون فی السنۀ بأجمعها من کل أمر- فی قول الحسن و مجاهد- یقال: قدر اللَّه هذا الأمر یقدره قدراً إذا
جعله علی مقدار ما تدعو الیه الحکمۀ. و قیل: فسر اللَّه تعالی لیلۀ ص: 385
و قیل: سمیت لیلۀ القدر لعظم شأنها و جلالۀ موقعها من قولهم: فلان له قدر و الأول أظهر، «1» « فِیها یُفْرَقُ کُلُّ أَمْرٍ حَکِیمٍ » القدر بقوله
و لیلۀ القدر فی العشر الأواخر من شهر رمضان بلا خلاف، و هی لیلۀ الافراد بلا خلاف، و قال أصحابنا: هی احدي اللیلتین إما لیلۀ
احدي و عشرین أو ثلاث و عشرین، و جوز قوم: أن یکون سائر لیالی الافراد إحدي و عشرین و ثلاث و عشرین، و خمس و عشرین،
و سبع و عشرین و تسع و عشرین، و جوزوا أیضاً تقدیمها فی سنۀ و تأخیرها فی أخري، و إنما لم تعین هذه اللیلۀ لیتوفر العباد علی
العمل فی سائر اللیالی. و القدر کون الشیء علی مساواة غیره من غیر زیادة و لا نقصان، ففی لیلۀ القدر تجدد الأمور علی مقادیرها
جعلها اللَّه فی الآجال و الأرزاق و المواهب التی یجعلها اللَّه للعباد، و یقع فیها غفران السیئات و یعظم منزلۀ الحسنات علی ما لا یقع فی
لیلۀ من اللیالی، فینبغی للعاقل أن یرغب فیما رغبه اللَّه بالمبادرة إلی ما أمر به علی ما شرط فیه. و الأوقات إنما یفضل بعضها علی
بعض بما یکون من الخیر الجزیل و النفع الکثیر فیها دون غیرها فلما جعل اللَّه تعالی الخیر الکثیر یقسم فی لیلۀ القدر بما جعله اللَّه فیها
تعظیماً لشأنها و تفخیماً، و انک یا محمد لا تعلم حقیقۀ ذلک. « وَ ما أَدْراكَ ما لَیْلَۀُ الْقَدْرِ » من هذا المعنی، و لذلک قال
و المعنی إن الثواب علی الطاعۀ فیها خیر یفضل علی ثواب کل طاعۀ تفعل فی « لَیْلَۀُ الْقَدْرِ خَیْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ » ثم بین تعالی ذلک فقال
صفحۀ 203 من 233
الف شهر لیس فیها لیلۀ القدر. و قیل إن اللَّه یتفضل علی خلقه فی هذه اللیلۀ و ینعم علیهم بما لا یفعل فی الف شهر لیس فیها لیلۀ
القدر ربما لا یکون مثله فی الف شهر و کانت أفضل من الف شهر
__________________________________________________
1) سورة 44 الدخان آیۀ 4 )
ص: 386
لیس فیها لیلۀ القدر. و الشهر فی الشرع عبارة عن ما بین هلالین من الأیام، و سمی شهراً لاشتهاره بالهلال. و قد یکون الشهر ثلاثین و
معناه تنزل الملائکۀ و « تَنَزَّلُ الْمَلائِکَ ۀُ وَ الرُّوحُ فِیها » یکون تسعۀ و عشرین إذا کانت هلالیۀ، فان لم تکن هلالیۀ فهی ثلاثون. و قوله
الروح الذي هو جبرائیل بکل أمر فی لیلۀ القدر إلی سماء الدنیا حتی یعلمه أهل سماء الدنیا، فیکون لطفاً لهم و حتی یتصوره العباد
ینزل بأمر اللَّه الیها، فتنصرف آمالهم إلی ما یکون منها فیقوي رجاؤهم بما یتجدد من تفضل اللَّه فیها.
أي ما ینزلون به کله بأمر اللَّه، و یکون الوقف- « بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ کُلِّ أَمْرٍ » و قیل: إن نزولها بالسلامۀ و الخیر و البرکۀ إلی تلک الساعۀ
هاهنا- تاماً علی ما قرأ به القراء المشهورون، و علی ما حکیناه عن ابن عباس و هو قول عکرمۀ و الضحاك:
لا یکون تاماً.
قیل هو سلام الملائکۀ علیهم السلام بعضهم علی بعض إلی طلوع الفجر. و قیل: معناه سلام هی « سَلامٌ هِیَ حَتَّی مَطْلَعِ الْفَجْرِ » و قوله
من الشر حتی مطلع الفجر- ذکره قتادة- و قیل إن فضل الصلاة فیها و العبادات علی الف شهر یراد بها الی وقت طلوع الفجر، و لیست
کسائر اللیالی التی فضلت بالعبادة فی بعضها علی بعض و المطلع الطلوع، و المطلع موضع الطلوع، و جر (مطلع) ب (حتی) لأنها إذا
کانت بمعنی الغایۀ خفضت الاسم بإضمار (الی) و نصبت الفعل بإضمار (الی أن) کقولک:
دخلت الکوفۀ حتی مسجدها، أي حتی انتهیت إلی مسجدها، و الفعل کقولک:
أسیر حتی أدخلها، بمعنی الی ان أدخلها.
ص: 387
-98 سورة البیِّنۀ ..... ص: 387
اشارة
مدنیۀ فی قول ابن عباس و الضحاك، و هی ثمان آیات فی الکوفی و المدنیین، و تسع فی البصري
[سورة البینۀ ( 98 ): الآیات 1 الی 8] ..... ص: 387
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
لَمْ یَکُنِ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْکِتابِ وَ الْمُشْرِکِینَ مُنْفَکِّینَ حَتَّی تَأْتِیَهُمُ الْبَیِّنَۀُ ( 1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ یَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً ( 2) فِیها کُتُبٌ قَیِّمَۀٌ
( 3) وَ ما تَفَرَّقَ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَیِّنَۀُ ( 4 )
وَ ما أُمِرُوا إِلاَّ لِیَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِ ینَ لَهُ الدِّینَ حُنَفاءَ وَ یُقِیمُوا الصَّلاةَ وَ یُؤْتُوا الزَّکاةَ وَ ذلِکَ دِینُ الْقَیِّمَ ۀِ ( 5) إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ أَهْلِ
( الْکِتابِ وَ الْمُشْرِکِینَ فِی نارِ جَهَنَّمَ خالِدِینَ فِیها أُولئِکَ هُمْ شَرُّ الْبَرِیَّۀِ ( 6) إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِکَ هُمْ خَیْرُ الْبَرِیَّۀِ ( 7
( جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِینَ فِیها أَبَداً رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ ذلِکَ لِمَنْ خَشِیَ رَبَّهُ ( 8
ثمان آیات. ص: 388
صفحۀ 204 من 233
مهموزتان الباقون بغیر همز. من همز جعله من (برأ اللَّه الخلق « شر البرئیۀ » و « خیر البرئیۀ » قرأ نافع و ابن عامر- فی روایۀ ابن ذکوان
یبرؤهم) و منه البارئ و من لم یهمز یجوز أن یکون خفف. و یجوز أن یکون من البري الذي هو التراب، کما یقال: بغاك من سار
بضم الهاء من غیر إشباع. الباقون بضم الهاء، و وصلها بواو فی « لمن خشی ربه » إلی القوم البريء، و روي أبو نشیط من طریق القرطی
قال الحسن و قتادة معناه لم « لَمْ یَکُنِ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْکِتابِ وَ الْمُشْرِکِینَ مُنْفَکِّینَ حَتَّی تَأْتِیَهُمُ الْبَیِّنَۀُ » اللفظ یقول اللَّه تعالی
یکونوا منتهین عن کفرهم حتی تأتیهم البینۀ. و قال قوم: معناه لم یکونوا منفکین من کفرهم أي زائلین. و قیل: معناه لم یکونوا لیترکوا
منفکین من حجج اللَّه حتی تأتیهم البینۀ التی تقوم بها الحجۀ علیهم و قال الفراء: منعاه لم یکونوا منفکین من حجج اللَّه بصفتهم للنبی
صلی اللَّه علیه و آله أنه فی کتابهم و قیل معناه لم یکونوا زائلین من الدنیا، و الانفکاك علی وجهین: علی لا یزال و لا بد لها من خبر
و حرف الجحد. و یکون علی الانفصال فلا یحتاج إلی خبر و لا حرف جحد، کقولک انفک الشیء من الشیء قال ذو الرمۀ:
«1» قلائص ما تنفک إلا مناخۀ علی الخسف أو یرمی بها بلداً قفرا
فجعله الفراء من (انفک الشیء من الشیء) و جعله غیره من (ما یزال) إلا أنه ضرورة. و الانفکاك انفصال عن شدة اجتماع. و اکثر ما
یستعمل ذلک فی النفی کما أن (ما زال) کذلک تقول: ما انفک من هذا الأمر أي ما انفصل منه لشدة ملابسته له. و المعنی أن هؤلاء
الکفار من أهل الکتاب یعنی الیهود و النصاري و من المشرکین یعنی عباد الأصنام لا یفارقون الکفر إلی أن تأتیهم البینۀ یعنی الحجج
الظاهرة التی یتمیز بها الحق من الباطل، و هی من البینونۀ. و فصل الشیء من غیره
__________________________________________________
1) دیوانه 173 (کمبریج) و روایته (حراجیج) بدل (قلائص) )
ص: 389
هو بیان « رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ » فالنبی صلی اللَّه علیه و آله حجۀ و بینۀ، و إقامۀ الشهادة العادلۀ بینۀ، و کل برهان و دلالۀ فهو بینۀ، و قوله
تلک البینۀ، بینها بأنه رسول من قبل اللَّه یتلو علیهم صحفاً مطهرة، یعنی فی السماء لا یمسها إلا الملائکۀ المطهرون من الانجاس و قوله
فالقیمۀ المستمرة فی جهۀ الصواب، فهو علی وزن (فیعلۀ) من قام « قَیِّمَ ۀٌ » معناه فی تلک الصحف کتب جمع کتاب « فِیها کُتُبٌ قَیِّمَ ۀٌ »
الأمر یقوم به إذا أجراه فی جهۀ الاستقامۀ. و قال قتادة: صحفاً مطهرة یعنی من الباطل و هو القرآن یذکره بأحسن الذکر و یثنی علیه
بأحسن الثناء.
اخبار من اللَّه تعالی أن هؤلاء الکفار لم یختلفوا فی نبوة النبی صلی « وَ ما تَفَرَّقَ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَیِّنَۀُ » و قوله
اللَّه علیه و آله لأنهم مجمعین علی نبوته بما وجدوه فی کتبهم من صفاته، فلما أتاهم بالبینۀ الظاهرة و المعجزة القاهرة تفرقوا و
اختلفوا، فآمن بعضهم و کفر بعضهم. و فی ذلک دلالۀ علی بطلان قول من یقول: إن الکفار خلقوا کفاراً فی بطون أمهاتهم، لأنه
تعالی بین أنهم لم یختلفوا فی ذلک قبل مجیء معجزاته و أدلته، و لا یلزم علی ذلک أن یکون مجیئ الآیات مفسدة من حیث وقع
الفساد عندها، لأنه لیس حد المفسدة ما یقع عنده الفساد، بل حده ما یقع عنده الفساد و لولاه لم یقع، من غیر أن یکون تمکیناً، و
هاهنا المعجزات تمکین فلم یکن مفسدة.
لا یخلطون « مُخْلِصِ ینَ لَهُ الدِّینَ » وحده و لا یشرکوا بعبادته غیره « إِلَّا لِیَعْبُدُوا اللَّهَ » أي لم یأمرهم اللَّه تعالی « وَ ما أُمِرُوا » ثم قال تعالی
بعبادته عبادة سواه.
جمع حنیف، و هو المائل إلی الحق، و الحنفیۀ الشریعۀ المائلۀ إلی الحق، و أصله المیل، و من ذلک الأحنف: المائل « حُنَفاءَ » و قوله
القدم إلی جهۀ القدم الاخري.
و قیل: أصله الاستقامۀ، و إنما قیل للمائل القدم أحنف علی وجه التفاؤل، و قوله ص: 390
أي ذلک « وَ ذلِکَ دِینُ الْقَیِّمَۀِ » المفروضۀ من أموالهم. ثم قال « وَ یُؤْتُوا الزَّکاةَ » أي یدوموا علیها و یقوموا بحدودها « وَ یُقِیمُوا الصَّلاةَ »
صفحۀ 205 من 233
الذي تقدم ذکره دین القیمۀ و تقدیره ذلک دین الملۀ القیمۀ و الشریعۀ القیمۀ.
دلیل علی فساد مذهب المجبرة: ان اللَّه خلق الکفار لیکفروا به، لأنه صرح هاهنا أنه خلقهم لیعبدوه. « وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِیَعْبُدُوا اللَّهَ » و قوله
إشارة إلی الدین، و « وَ ذلِکَ » و لیس فی الآیۀ دلالۀ علی أن أفعال الجوارح من الایمان، و لا من الدین، لأنه یجوز أن یکون المراد
تقدیره و الدین بذلک هو دین القیمۀ، لأن من لا یعتقد جمیع ذلک و یؤمن بجمیع ما یجب علیه فلیس بمسلم. و قد تقدم قوله
و لیس یلزم أن یکون راجعاً إلی جمیع ما تقدم، کما لا یلزم « دِینُ الْقَیِّمَ ۀِ » یعنی و ذلک الدین « وَ ذلِکَ » ثم قال « مُخْلِصِ ینَ لَهُ الدِّینَ »
أن یکون راجعاً إلی الشرك، و قتل النفس و الزنا، بل عندهم یرجع إلی کل «1» « وَ مَنْ یَفْعَلْ ذلِکَ یَلْقَ أَثاماً » علی مذهبهم فی قوله
واحد من ذلک. فکذلک- هاهنا- و قد استوفینا ما یتعلق بذلک فی کتاب الأصول.
و فی الآیۀ دلالۀ علی وجوب النیۀ فی الطهارة، لأنه بین تعالی أنه أمرهم بالعبادة علی الإخلاص، و لا یمکن ذلک إلا بالنیۀ و القربۀ، و
الطهارة عبادة
لقوله صلی اللَّه علیه و آله (الوضوء شطر الایمان)
و ما هو شطر الایمان لا یکون إلا عبادة.
یعنی من جحد توحید اللَّه و أنکر « إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْکِتابِ وَ الْمُشْرِکِینَ » ثم اخبر تعالی عن حال الکفار و المشرکین فقال
أي مؤبدین لا یفنی عقابهم. « خالِدِینَ فِیها » معاقبین فیها جزاء علی کفرهم « فِی نارِ جَهَنَّمَ » نبوة نبیه و أشرك معه إلهاً آخر فی العبادة
أي شر الخلیقۀ، و البریۀ « أُولئِکَ هُمْ شَرُّ الْبَرِیَّۀِ » ثم قال
__________________________________________________
1) سورة 25 الفرقان آیۀ 68 )
ص: 391
(فعیلۀ) من برأ اللَّه الخلق إلا أنه ترك فیهما الهمز، و من همز فعلی الأصل. و یجوز أن یکون (فعیلۀ) من البري و هو التراب.
« وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِکَ هُمْ خَیْرُ الْبَرِیَّۀِ » باللَّه و أقروا بتوحیده و اعترفوا بنبوة نبیه « إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا » ثم أخبر عن حال المؤمنین فقال
أي هم أحسنهم حالۀ. و إنما أطلق بأنهم خیر البریۀ، لان البریۀ هم الخلق، و لا یخلوا أن لا یکونوا مکلفین، فالمؤمن خیر منهم لا
محالۀ. و إن کانوا مکلفین: فاما أن یکونوا مؤمنین أو کافرین أو مستضعفین، فالمؤمن خیرهم أیضاً لا محالۀ بما معه من الثواب.
أي « جَنَّاتُ عَدْنٍ » یعنی جزاء إیمانهم و طاعاتهم عند اللَّه یوفیهم اللَّه یوم القیامۀ، ثم فسر ذلک الجزاء فقال « جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ » و قوله
بما فعل بهم من الثواب. و الرضا « وَ رَضُوا عَنْهُ » أي رضی أفعالهم « أَبَداً رَضِ یَ اللَّهُ عَنْهُمْ » أي مؤبدین فیها « خالِدِینَ فِیها » بساتین إقامۀ
هو الارادة، إلا أنها لا تسمی بذلک إلا إذا وقع مرادها، و لم یتعقبها کراهیۀ، فتسمی حینئذ رضا، فأما الارادة لما یقع فی الحال او فیما
یفعل بعد، فلا تسمی رضا، فرضی اللَّه عن العباد إرادته منهم الطاعات التی فعلوها، و رضاهم عنه إرادتهم الثواب الذي فعله بهم، ثم
أي ذلک الرضا و الثواب و الخلود فی الجنۀ لمن خاف اللَّه فترك معاصیه و فعل طاعاته. « ذلِکَ لِمَنْ خَشِیَ رَبَّهُ » قال
ص: 392
-99 سورة الزلزال